الجزيرة - الرياض:
تركزت فترة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم وحتى وفاته -رحمه الله- على قواعد راسخة تأتي في مقدمتها ما اتصف به من قيادة حكيمة لشؤون الدولة وعجلة الاقتصاد الوطني واهتمام بالغ بأمور المواطنين المختلفة، ما نتج عنه إنجازات تنموية شاملة سابقت الزمن وتجاوزت الأهداف المرسومة، حيث اتخذ -رحمه الله- مجموعة واسعة من القرارات المهمة والإجراءات الهادفة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد، وتحديث الأنظمة بما يعزز رفع مستوى كفاءة وتنافسية الاقتصاد ودعم التشغيل الأمثل لعوامل الإنتاج، علاوة على العمل على توفير إطار تنظيمي وإداري متطور وبيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية لتحقيق تنوع في البيئة الاقتصادية والإنتاجية، بهدف استمرار إيجاد فرص وظيفية مناسبة لأبناء وبنات هذا الوطن.
ومن أبرز مؤشرات ما تحقق من تنمية اقتصادية خلال الأعوام العشرة التي شهدت تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع غير النفطي في الفترة من عام 2005 حتى نهاية عام 2013 بنسبة 81.4 في المائة، إذ سجل ميزان المدفوعات فائضاً بلغ 3.6 تريليون ريال، وبلغت المصروفات الفعلية للمالية العامة نحو 5.7 تريليون ريال، فيما تراجعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 37.3 في المائة نهاية عام 2005م إلى 2.7 في المائة في نهاية عام 2013، إضافة إلى اعتماد العديد من المشروعات التنموية في مجال تعزيز وتحديث البنية التحتية شملت عدداً من المجالات مثل الطرق، المطارات، الاتصالات، المياه والكهرباء، والخدمات الصحية والتعليمية، فضلا عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي يُعد استثماراً طويل الأجل في الموارد البشرية، في حين حافظت المملكة على معدلات تصنيف سيادية مرتفعة لملاءتها المالية من مؤسسات التقييم الدولية، كان آخرها رفع مؤسسة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني تقييم المملكة من AA- إلى AA مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يؤكد متانة اقتصادها وقوة مركزها المالي، ويجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية، وما زالت الثقة كبيرة وراسخة في أن يستمر النمو القوي والتنمية الشاملة للاقتصاد السعودي في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -رعاه الله-.
وعلى صعيد القطاعين المالي والمصرفي، ارتفع إجمالي موجودات مؤسسة النقد العربي السعودي من 619.4 مليار ريال في نهاية عام 2005 إلى نحو 2738.7 مليار ريال في نهاية عام 2013، بزيادة نسبتها 342.2 في المائة. وأيضا ارتفعت السيولة المحلية من نحو 553.7 مليار ريال في عام 2005 إلى نحو 1545.1 مليار ريال في نهاية عام 2013، أي بنمو نسبته 179.1 في المائة، بمتوسط زيادة مقدارها 123.9 مليار ريال سنوياً، كما سجل القطاع المصرفي أيضا نمواً قوياً ومتواصلاً خلال تلك الفترة، متجاوزاً بقوة تداعيات الأزمة المالية العالمية، قائماً بدوره في خدمة الاقتصاد الوطني وفق أحدث التقنيات الآمنة في مجال الخدمات المصرفية والمالية، كذلك ارتفاع إجمالي موجودات المصارف بمعدل تجاوز الضعف من نحو 759 مليار ريال في عام 2005 إلى 1893 مليار ريال في نهاية عام 2013، وزيادة عدد فروع المصارف خلال الفترة نفسها بنسبة 44.4 في المائة ليبلغ 1768 فرعاً، إلى جانب ارتفاع عدد أجهزة الصرف الآلي بنسبة 202.6 في المائة لتصل إلى 13.9 ألف جهاز موزعة على مختلف مدن وقرى المملكة تقدم خدمات مصرفية حديثة وآمنة.
وأولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
-رحمه الله- اهتماماً بالغاً بالشأن الاقتصادي، حيث رأس المجلس الاقتصادي الأعلى منذ إنشائه، وبتوجيه ورعاية منه -رحمه الله- تم إصدار العديد من القرارات الهادفة إلى رفع مستوى الأداء الاقتصادي وتهيئة الظروف الملائمة لنمو مستدام.
وباستعراض سريع للأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة بالجانب الاقتصادي والمالي الصادرة في العشرة أعوام الماضية نجد كماً هائلاً، تضمنت على سبيل المثال، قرار تدشين مشروع أكبر مدينة اقتصادية متكاملة في الشرق الأوسط (مدينة الملك عبدالله الاقتصادية) وغيرها من المدن الاقتصادية في مختلف أرجاء المملكة، إنشاء مركز مالي متطور في مدينة الرياض يضم جميع المؤسسات المالية، إنشاء هيئة وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وإنشاء هيئة حكومية مستقلة تعنى بتنمية الصادرات السعودية غير النفطية تسمى هيئة تنمية الصادرات السعودية، إلى جانب الموافقة على تشكيل لجنتين إحداهما في محافظة جدة والأخرى في مدينة الدمام للفصل في النزاعات والمخالفات المنصوص عليها في المادة العشرين من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني.
كذلك قرار السماح لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي بممارسة أنشطة خدمات التأمين، وخدمات النقل بأنواعه والخدمات العقارية، إلى جانب الموافقة على تطبيق المساواة بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تملك الأسهم وتداولها، والموافقة على تنظيم تملك مواطني دول مجلس التعاون للعقار في الدول الأعضاء لمجلس التعاون لغرض السكن والاستثمار، إضافة إلى الموافقة على حق المرأة في الحصول على قرض سكني من صندوق التنمية العقارية متى كانت مسؤولة عن عائلتها، وإنشاء وزارة للإسكان وتخصيص مبلغ قدره 250 مليار ريال للإسكان، ورفع قيمة الحد الأعلى للقرض السكني من صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، فضلا عن الموافقة على مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات.
ومن الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة بالجانب الاقتصادي والمالي أيضا، الموافقة على مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، اعتماد نظام الإيجار التمويلي الذي يهدف إلى توفير صيغة تمويل من قبل شركات مساهمة متخصصة في الإيجار التمويلي، وإسناد مهمة الإشراف والرقابة على الإيجار التمويلي إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظام الرهن العقاري لتحقيق الضمانات اللازمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار وتحديد حقوق أطراف عقد الرهن والتزاماتهم، وتحقيق المرونة للاستفادة من الأصول العقارية، إضافة إلى نظام التمويل العقاري الذي يهدف إلى إيجاد سوق للتمويل العقاري تؤسس بموجبه شركات مساهمة متخصصة بالتعاون مع مطورين عقاريين وتمكين المستفيدين من تملك العقارات بطرق ميسرة تحفظ حقوق أطراف العلاقة تحت إشراف ومراقبة مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظام مراقبة شركات التمويل، وتشكيل لجنة باسم (لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية) من اختصاصها الفصل في المخالفات والمنازعات ودعاوى الحق العام والخاص الناشئة عن تطبيق أحكام نظام مراقبة شركات التمويل وأحكام نظام الإيجار التمويلي، إلى جانب الموافقة على تعديل أيام العمل الرسمية من يوم الأحد إلى يوم الخميس بحيث تكون العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت، علاوة على الموافقة على نظام جرائم الإرهاب وتمويله المنصوص عليها في نظام مكافحة غسل الأموال، كما اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
-رحمه الله- بالمواطنين وتلمس احتياجاتهم من أجل تعزيز مستوى رفاهيتهم، فقد صدرت توجيهاته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة وتخفيف مستوى الفقر، دعم الضمان الاجتماعي، وإقرار زيادة الرواتب وبدل غلاء المعيشة، وترسيم موظفي بند الأجور، ومعالجة مشكلة الإسكان، ودعم صناديق التنمية المتخصصة.
وشهدت المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- العديد من المنجزات التنموية العملاقة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والصناعية، التي جسّدت في مجملها السمات الحضارية الرائدة، وتميّزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته.
ومن ذلك، خطت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في عهده -رحمه الله- خطوات مباركة في مجال التأمين الاجتماعي، حيث صدرت الموافقة السامية على نظام التأمين ضد التعطل عن العمل الذي طبق ابتداءً من غرة ذي القعدة الماضي، كما حققت المؤسسة إنجازات عديدة غطت فيها فئة كبيرة من المواطنين والمقيمين تجاوز عددهم 9 ملايين مشترك على رأس العمل في نحو 400 ألف منشأة مسجلة بالنظام.
كذلك طوّرت المؤسسة أنظمتها الآلية ومختلف المعلومات التي تقدمها لعملائها بشكل خاص وللجمهور بشكل عام من خلال قنوات متعددة ومتكاملة بأسلوب ميسر ومتقدم يواكب التطورات التقنية الحديثة، مما يجسّد اهتمام المؤسسة بعملائها من أصحاب العمل والمشتركين والمستفيدين من منافع النظام. وأيضا تلعب دورًا بارزًا في الاستثمار المالي والعقاري بهدف الاستثمار في المشروعات التي تحقق عوائد ثابتة ومستقرة قليلة المخاطر وفق خطة استثمارية محددة طويلة المدى تعتمد على إيجاد مصادر دخل وعوائد ثابتة ليتسنى لها الوفاء بالالتزامات المالية المستحقة للمستفيدين من النظام، والإسهام في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في البلاد، وقد بلغت المبالغ المصروفة من صندوق التأمينات أكثر من (110) مليارات ريال، فيما صرفت المؤسسة معاشات بأكثر من 1.2 مليار ريال لنحو 290 ألف مستفيد.