ما زلت أتذكر عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية، اصطفافنا حاملين العلم السعودي وصور الملوك والورود تمهيداً لاستقبال المليك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز -غفر الله له- لرعايته تمريناً عسكرياً تابعاً للحرس الوطني قبل ما يقارب 20 عاماً في منطقة القصيم تحديداً غربها بمركز الدليمية «مسقط الرأس».
حضر عبدالله بن عبدالعزيز تسبقه ابتسامة عريضة نبعت من وجدان رجل عظيم، حمل على عاتقه خدمة البلاد وأهلها لم يألُ جهداً إلا وبذله وقدّم الغالي والنفيس بل تحامل على نفسه عدة مرّات، تقديراً منه وإيماناً بمكونات وطن واحد يرسم أروع صور التلاحم بين قيادته وشعبه، كما تقرّب -رحمه الله- إلى شعبه بكل وسيلة رفعت مقدار محبته وهو يتحدث إليهم من داخل قلبه كالأب الحنون، واصفاً إياهم بالأشقاء في أسمى معاني التواضع عبر الأزمنة، مستخرجاً كل ما تكتنزه قلوبهم من حب ووفاء في كل لحظة زمنية ومناسبة مكانية.
والملاحظ في كل خطاب يوجهه إلى المواطنين أنه قريب من كل مواطن حيث يصفهم بالأشقاء والأبناء، مما جعل له مكانة خاصة في قلب كل سعودي، فقيرا أو غنيا، متعلما أو أميا، في عهده التنويري قفزت المملكة بشكل كبير، نتاج رؤية ثاقبة لحاكم تاريخي بعث بآلاف الطلاب والطالبات إلى مختلف دول العالم ليتسلحوا بكافة المجالات لمحاربة جحافل الظلام وإشعال شعلة التقدم بالروح التي لا تؤمن سوى بالنجاح! أما ما حدث في فترة تولي فقيدنا الراحل للحكم خلال تسع سنوات لن تصفها مشاعري ولن تفيها حروفي، يكفينا فخراً انتشار الجامعات في المناطق كافة حتى بدأت في المحافظات، فمن 7 جامعات تخطينا حاجر 30 جامعة حكومية وأهلية تناثرت كاللؤلؤ في أرجائه، ولنتحول إلى حقوق المرأة السعودية التي استحقت ثقة الملك عبدالله في قرار تاريخي منذ نشأة الدولة، مكنّها من تولي مناصب قيادية والمشاركة في دفع عجلة التنمية في مختلف المجالات.
وبذل الملك السابق جهوداً عظيمة في مجالات (الاقتصاد- النقل العام- التعليم بشقيّه- الحوار الوطني وبين الأديان والثقافات العالمية- القضاء- الإسكان- الرياضة.... إلى غيرها من المجالات)، وتجدر الإشارة إلى مبادرات الملك عبدالله في دعم الأمن عبر مشاريع تأمين الحدود وتحول الحرس الوطني إلى وزارة، كذلك جهوده في عملية السلام والحرص على استقرار بلاده والدول العربية والإسلامية واستطاع بحنكته السياسية إرساء بلاده على بر الأمان في ظل أوضاع متوترة للغاية تعاني منها دول مجاورة وقريبة تحوّلت إلى نيران ملتهبة تأكل بعضها البعض، امتدت شظاياها إلى أطراف المملكة العربية السعودية التي تصدت بحزم وقوة تجاه كل من يحاول المساس بأمنها وترويع بلادها.
عبدالله بن عبدالعزيز شخصية الملوك في حزمها، وطيبة الآباء في لينها، وعطف الأشقاء في مساعدتها، رحمه الله وغفر له وجازاه بالإحسان إحسانا تجاه ما قدمه لدينه وبلاده من أعمال شاهدة على حقبته الزاهية حتى اختاره الرفيق الأعلى إلى جواره... ولا يسعني القول إلا تجديد البيعة والولاء لمن بعده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظهم الله جميعاً وأعانهم على أداء المهمة الثقيلة التي أوكلت إليهم ووفقهم لما فيه الخير للبلاد وأهلها.
- عبدالله الجديع