قرأ الملك سلمان بن عبد العزيز الحالة السعودية وهو (أمير)، وأعاد قراءتها وهو (ملك)؛ حيث يملك بيديه كل مفاتيح السلطة والقرارات، فيما كان صوت المواطن يرن في أذنيه، مذكراً بما كان هاجس الملك سلمان، من حدب أبوي دائم على المواطن وحرص على مصلحته.
***
حرك المليك بوصلة اهتماماته - كما عهدناه دائماً - نحو ما يستجيب لتطلعات المواطنين، بقرارات تاريخية ومبادرات مبكرة، تلغي أي استرخاء أو تردد أو ضعف في التعامل مع التطورات المتسارعة محلياً وإقليمياً ودولياً.
***
فأسرع إلى تشكيل وزارة كفاءات، الوزراء فيها خليط من الشباب وذوي الخبرات، بأسماء تم انتقاؤها بعناية، ضمن معايير ومتطلبات وحسابات المرحلة الراهنة والمستقبلية، من حيث المؤهلات العلمية والكفاءة الإدارية وتنوع الخبرات.
***
والملك سلمان في هذه القرارات يؤكد من جديد أنه صاحب رؤية محددة وواضحة في تعامله مع هموم الوطن والمواطن، ضمن إفصاحه عن توجهه في إدارة شؤون الدولة ومصالح المواطنين، من خلال تشكيله مجلس الوزراء بهذه الأسماء اللامعة، التي يأمل ونأمل معه أن تكون في مستوى التحدي الذي أشار إليه خادم الحرمين الشريفين في قراراته أمس الأول.
***
كان المواطنون على ثقة بأن الملك سلمان سوف يفعّل العمل في قطاعات الدولة، وبأكبر مما كان عليه التوجُّه نحو التنظيم لأجهزة الدولة، ولم يخب ظنهم به، فقد استدعى بعض الكفاءات للعمل وزراء ومستشارين في عهده، بل إنه عمل أكثر مما كان متوقَّعاً، وبدأ ولايته بما أعلنه من إلغاء لعدد كبير من المجالس العليا، وحصر مسؤوليتها وتخصصاتها بمجلسَيْن جديدَيْن؛ وهذا يدل على توجُّه الملك سلمان وعزمه على أخذ خطوات مهمة وسريعة نحو الإصلاح، وتطوير أداء العمل الإداري في أجهزة الدولة، وإلغاء البيروقراطية.
***
وهذه الخطوة ستمكِّن مجلس الوزراء من ممارسة صلاحياته كافة، بوصفه سلطة تنفيذية، ضمن سياسة الملك سلمان التي تعتمد على الاستراتيجيات والتخطيط والحسابات، وليس على الاجتهادات التي تصيب وتخطئ، وذلك في مرحلة تتطلب أن يكون هناك وزراء يتفاعلون مع هذا التوجُّه، وهو ما أدركه الملك سلمان؛ فكانت أوامره بتشكيل وزارة قادرة على القيام بهذه المسؤوليات؛ إذ ضمت بين أعضائها عدداً من الشباب من أصحاب التعليم العالي والخبرة الرفيعة.
***
ومع أن إعادة تشكيل مجلس الوزراء كانت منتظرة مع مبايعة سلمان بن عبد العزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية، إلا أن اختياره لهذه الكفاءات أعضاء في مجلس الوزراء، إنما يشير إلى طبيعة السياسة التي سينتهجها العهد الجديد، وستتم من خلالها إدارة شؤون الدولة، وهذا الإجراء هو ما كان عليه الحال مع الملوك السابقين؛ إذ يختار كل ملك الفريق الذي يعمل معه، مع عدم المساس بأيٍّ من الثوابت التي لا اجتهادات فيها.
***
وربما تساءل البعض عن أهمية هذه القرارات. والإجابة حاضرةٌ عن ذلك؛ إذ إنها تدل بوضوح على أن المرحلة الحالية والقادمة لا تخلو من التحديات سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن هذه القرارات تُظهر تصميم وحزم الملك سلمان في مواجهة ذلك بالسرعة الممكنة والجدية اللازمة للتغلب عليها، بما يتوافق مع شخصية خادم الحرمين الشريفين العملية، وما عُرف عنه من حزم وعزم وسرعة في اتخاذ القرارات التي تصب في المصلحة العامة.
***
ومع كل هذه القرارات ربما تساءل البعض أيضاً عن عودة الشيخ سعد الشثري مستشاراً في الديوان الملكي، وليس لذلك من تفسير عندي سوى أن اختياره إنما جاء لتقريب أهل العلم في بلاد الحرمين الشريفين التي دستورها الكتاب والسُّنة؛ إذ إن الشيخ الشثري - كما نعلم جميعاً - من العلماء الكبار الذين يُرجَع إليهم ويستفاد من علمهم في تخصصهم بالعلوم الشرعية؛ ما يعني أن عودته تتطلبها وتقتضيها المصلحة العامة، وفي مقابل ذلك فإن إعفاء الشيخين محمد العيسى وعبداللطيف آل الشيخ من منصبَيْهما هو أمر طبيعي أيضاً في مرحلة التغيير والتجديد في الوجوه والمسؤولية في بعض مراكز الدولة، ومن الخطأ أن يُنظر إليه على أنه تراجع عن الإصلاح، سواء في وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى وهيئة كبار العلماء أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
***
ولا بد من التذكير بأن هناك مَنْ يصطاد في الماء العكر من المأزومين؛ ويجب الحذر منهم؛ فينظر إلى بعض القرارات الملكية على أنها لصالح تيار ضد تيار آخر، وهي نظرة قاصرة، يكفي للرد عليها بأن المملكة لا يوجد فيها أحزاب ولا تكتلات ولا معارضة ولا تيارات مختلفة؛ فالجميع مع وحدة الوطن، ومع ما يراه ولي الأمر؛ وبذلك فإن أي كلام ضمن هذا المفهوم القاصر ترد عليه تلك المشاهد التي تم فيها انتقال السلطة إلى الملك سلمان بهدوء وسلاسة، وما تلا ذلك من زَحْف لجموع المواطنين بأعداد هائلة لمبايعته وولي عهده وولي ولي عهده.
***
لقد جاءت هذه القرارات المهمة لمصلحة الوطن والمواطن مصحوبة بما اعتبره الملك سلمان نفسه عبر (تويتر) بأن الشعب يستحق أكثر، وأنه مهما فعل فلن يوفيه حقه؛ إذ أمر براتبين لكل موظف في الدولة، بما في ذلك المتقاعدون منهم، كذلك الطلاب والطالبات، والعفو عن سجناء الحق العام، وإعفاؤهم من الحقوق المالية، وبعشرين مليار ريال لتنفيذ خدمات الماء والكهرباء، وتعديل سلم معاش الضمان الشهري، وصرف راتبين للمستفيدين منه، وشهرين للمعاقين، ودعم الجمعيات الخيرية بمليارَيْ ريال، والجمعيات التعاونية بمليونَيْ ريال، وعشرة ملايين ريال لكل جمعية مهنية متخصصة، ودعم الأندية الأدبية بعشرة ملايين ريال لكل نادٍ، وعشرة ملايين ريال لكل نادٍ رياضي بالدوري الممتاز، وخمسة ملايين ريال لأندية الدرجة الأولى، وبمليونَيْ ريال لما دون ذلك.
***
هذا الموقف الإنساني النبيل من خادم الحرمين الشريفين من المؤكد أنه ترك مساحة كبيرة من الفرح والتقدير لدى كل شرائح المواطنين وأطياف المجتمع، خاصة أن المليك لم يُثنه انخفاض أسعار البترول؛ وبالتالي تراجع إيرادات المملكة من المصدر الرئيس الذي تعتمد عليه المملكة في ميزانيتها السنوية، ومعرفته بأن هذه القرارات سوف تكلف الدولة 110 مليارات من الريالات، وهو رقم كبير عند أخذ هذه بالاعتبار، لكن الشعب - كما يقول الملك - يستحق أكثر، وأنه مهما فعل فلن يوفيه حقه، وأنا أقول: بل إن هذا الشعب العظيم - يا سيدي - هو مهما فعل وقال وأنجز وأخلص فلن يوفيك حقك.