«عندما تُحارب بنفس أسلحة عدوك سوف تصبح مثله»
نيتشه
في 21 سبتمبر 2014م التفتت العالم إلى نبأ سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد جماعة يطلق عليها الحوثيون، هذا النبأ الذي مع مرور الأيَّام استحوذ على اهتمام عريض لوسائل الإعلام في محيط اليمن الإقليمي وحتى العالمي، أوصل المهتمين إلى ما يمكن توصيفه بأنه مشهد دراماتيكي في مختلف جوانبه المنظورة، فكيف بجماعة كانت قبل سنوات ثلاث توصف بأنها متمردة تعبر من جبال صعدة الوعرة زاحفة لتسقط المدن الواحدة بعد الأخرى حتى تنجح في إسقاط العاصمة صنعاء؟؟
تساؤل يبدو محفزاً ليس في البحث عن تلك الأدوات التي استخدمتها الجماعة المتمردة في امتلاك الحضور السياسي الكامل، بل لماذا نجحت هذه الجماعة في فرض كل الواقع على اليمن والإقليم والعالم الذي ما زال مرتبكاً وهو يتعامل معها ومع تفاصيل اليمن الصَّغيرة؟.
نجاح جماعة الحوثي ببساطة يعود إلى مسببات رئيسية تبدأ بأن البيئة الحاضنة لها تجد لها عمقاً بالغاً، فهذه الجماعة بقبائلها وبتفكيرها وانتمائها الجمعي كانت هي المهزومة في ثورة الجمهوريين عام 1962م عندما خرج من أبناء الزيدية من ساهم في إسقاط المملكة المتوكلية وتلبسوا بلباس الجمهوريين، وفي حين توصف تلك الواقعة بأنها ثورة فإنها واقعياً لا تعدو عن كونها انقلاباً داخل البيت الزيدي، فلقد حافظ الزيود على مقاليد السلطة وأن طعموها بمن شاءوا أن يكونوا صورة توهم الخارج بأن ما جرى هو ثورة لا انقلاباً، هذه المرجعية العميقة مع عامل خلقته تلك الحقبة التي بدأت بتهميش للسكان الزيود واستضعاف لهم في مناطق شمال اليمن انتهت فعلياً منذ يونيو 2004م، عندما شن الجيش اليمني الحرب الأولى على صعدة ليرسم طريقاً ناحية اختلاق الذريعة الأخرى لدى الجماعة التي كانت مع ميلاد الوحدة اليمنية في مايو 1990م رحماً لنطفة إيرانية أخذت تتخلق في الرحم المشحون لتنفجر بقيم غير قيمها، ومبادئ غير تلك المعروفة عن الحركة الزيدية ومرجعياتها الأصيلة.
اكتسبت الحركة الحوثية من كل عوامل الضغط التي عاشتها خلال نصف قرن قوة مكنتها من الزحف المتوالي بداية من حرف سفيان ووصولاً إلى ما وراء صنعاء، حتى استحوذت على ميناء الحديدة ورقعة جغرافية هي الامتداد الطبيعي للقبائل الزيدية في شمال اليمن، وهنا نفسر لماذا عجزت عن إسقاط محافظات البيضاء وتعز ومأرب وهي لانتفاء الانتماء القبلي أولاً والمذهبي ثانياً، مع الإشارة إلى أنه بالإمكان إسقاطها بالقوة الجبرية وإخضاعها متى ما تهالكت الدوافع المضادة.
اليمن ليس استثناء من النسيج العربي الذي يعرف منذ الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين الماضي دورات من عدم الاستقرار السياسي، واليمن الذي عاش تاريخاً طويلاً هو الأشد لعدم القدرة السياسية بالارتقاء بحالة المجتمع والاقتصاد والتعليم والصحة لم يستطع إفراز شخصيات وطنية تنتشل حالته المستغرقة في استنزاف وإهدار طاقاته المختلفة في صراعات تمكن دوماً للسلطة الحاكمة فيه استفراد ناحية ممارسة الابتزاز مع مختلف الطبقات القبلية والاجتماعية والمذهبية، فالسلطة على مدار ثلاثة عقود رعت التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة ونجحت من وراء ذلك ليس في استنزاف دول الجوار اليمني بل تجاوزته إلى ما هو أبعد من ذلك، فكانت السلطة قادرة على ابتزاز دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واستطاعت توفير معدات عسكرية وتدفقات مالية ضخمة لم تذهب في محاربة التطرف، بل كانت تلك التدفقات تستخدم لتمويل مشروعاتها الخاصة وتنمية مدخراتها المالية في الداخل والخارج.
كل هذا الاستغراق في التفاصيل الدقيقة اليمنية تؤكد غياب العنصر الوطني الفاعل في مجتمع لم يستطع خلق بيئة تحتضن أبناءه المتعلمين، بل خلق بيئة معاكسة ظلت طاردة لأبناء اليمن شمالاً وجنوباً كذلك، ومع هذا لا يمكننا أن نوافق على ترك اليمن ذراعاً لقوى سياسية تعمل على مدار سنوات على استمالته لصالح مشروعاتها التي تتكشف مع تتابع الأيَّام وأحداثها، وهذا قدر الإقليم أن يكون اليمن جزءا منه يحاول الحياة بينما أحواله وتاريخه وثقافته المتصارعة لا تتوقف إطلاقاً، هذا الواقع يمكن معالجته بالممكن من احتواء اليمن بعشوائيته ونمطيته وطبيعته وجغرافيته في إطار عمل جاد تقوده المنظومة الخليجية.
هاني سالم مسهور