صاحب المعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحب في البداية أن أقدم لمعاليكم أصدق التهاني بتوليكم منصبكم الجديد وزيراً للثقافة والإعلام وما حظيتم به من ثقة ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وأيده- وأنتم بحق جديرين بهذه الثقة، كما أدعو الله لكم بالعون والتوفيق.
صاحب المعالي أنتم خير من يعرف ما تمر به منطقتنا من تطورات وأحداث فاقت ما مر بهذه المنطقة الحساسة من أحداث على مدى حوالي قرن من الزمان. وبلادنا التي تحظى بمكانة متميزة على خريطة منطقتنا العربية فعلى أرضها تحقق أكبر وأهم وحدة عربية، هذه الوحدة التي ظلت نشيداً عربياً وحلماً لكل عربي لم يتحقق إلا على أديم هذه الأرض التي يتشكل منها كيان بلادنا العظيمة.
وإن كنا أي آباؤنا وأجدادنا قد حققوا ذلك الحلم وأصبحت بلادنا بفضل وحدتها بزعامة عربية خالصة ملاذاً لكل أحرار العرب الذين خابت آمالهم في الوحدة التي كانوا يسندونها حينما قاموا بثورتهم أو هكذا توهموا أنهم قاموا بثورة من أجل تحقيق الحلم العربي في الوحدة. فكانت بلادنا سنداً لكل أحرار العرب الذين ناضلوا من أجل الاستقلال ووقفت معهم بكل إمكانياتها مع تواضعها قبل أن يكتشف النفط من باب أن مساندة الشعوب العربية من أجل استقلال بلدانهم واجب قومي وديني وأخلاقي. فوقفت إلى جانب الشعوب العربية في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق ومصر وليبيا وتونس والجزائر وسخرت كل منابرها الدولية في المنظمات الدولية كونها الدولة العربية المستقلة الوحيدة التي ساهمت في نشأة الأمم المتحدة لخدمة القضايا العربية وعينت العديد من أبناء تلك البلدان مندوبين دائمين للمملكة في الأمم المتحدة وسفراء في العديد من البلدان ليكونوا صوتاً لقضايا بلدانهم ومطالبتهم في الاستقلال. ليس هذا فحسب بل كانت الممول الأول لكل زعماء التحرر في البلدان العربية. والأمثلة على ذلك كثيرة.
معالي الوزير
إن التاريخ يعيد نفسه فما تمر به أمتنا العربية في هذه الأيام شبيهاً بما مرت به في بداية القرن العشرين من حروب أهلية وتفكك دول وصراعات مذهبية وتدخلات دولية وإقليمية في شؤونها مما هدد ويهدد هذه الأمة في الدخول في أتون حروب قد تستمر طويلاً وتقضي على ما تبقى من جسم عربي لينشد الخلاص. فوقفت المملكة بقوة إلى مساندة الشعوب العربية في التغلب على ما حل بها من إحن وما تحاول القوى المعادية لهذه الأمة من المضي قدماً في مخطط القضاء على سلامة الجسم العربي. والقضاء على أمنه القومي وتقسيم ما كان موحداً وإضعاف ما لا زال قائماً. فأدركت المملكة هذه المخاطر فوقفت بقوة ضد ما كان يحاك بمصر كأكبر دولة عربية وما حل بالعراق وسوريا كأكبر دولتين عربيتين تتعرض للتقسيم وسيادة الفوضى وتمزيق نسيج المجتمع إلى مذاهب وطوائف وتحويل هذه البلدان إلى كل شقاق الآفاق من أصحاب الأفكار المتطرفة من قاعدة وداعش ونصرة وفرق شيعية دخلت بقوة لتأجيج الصراع في هذه البلدان. وتعمل على تصدير الفوضى إلى بلدنا وتقوم القوى المعادية لهذه البلاد بحملات إعلامية متطرفة متهمة المملكة بأنها وراء قوى التخلف والتطرف وهذا كله بهتان، ولكن هناك بكل أسف من يصدق مثل هذه الادعاءات ومنها دول غربية مدفوعة في مواقفها بمكانة إعلامية موجهة ضد المملكة. ونحن غير مدركين بالشكل الكافي لمثل هذه الحملات وما تشكله من خطورة على أمن واستقرار بلدنا.
معالي الوزير
إن الإعلام يشكل القوة الثانية بعد القوة العسكرية والأمنية لحماية البلاد، وربما يكون الإعلام أكثر تأثيراً لأنه يدخل إلى كل بيت وبه تتغير مفاهيم وبواسطته ترسخ مفاهيم أيضاً وبكل أسف أن الإعلام العربي منذ فترة طويلة وله مواقف غير محايدة من مواقف المملكة وعن تاريخها وأهميتها ودورها في بناء الأمة العربية وهذا الإعلام غير المحايد أثر في أطروحات الكثيرين من المثقفين العرب ومن كان لهم تأثير في تشكيل الذهنية العربية عن بلادنا.
ولذا أسمح لي يا معالي الوزير طرح بعض الأفكار التي آمل أن تكون مفيدة للمرحلة الجديدة التي تشهدها بلادنا وتشهدها المنطقة العربية وما يجب أن يكون عليه دورنا من الناحية الثقافية والإعلامية والفكرية في مواجهات هذه المستجدات وما أستطيع أن أسهم به من خلال خبرة سنوات طويلة في متابعة ما تشهده ساحتنا العربية وما مرت به بلادنا من تحديات في مواجهة الحملات المشوهة التي تعرضت لها من خلال إعلام عربي ظالم ومثقف عربي باع العديد منهم ضمائرهم لمصالح خاصة أو انتماءات حزبية اتخذ مواقف أكثر ما توصف بالعدائية تجاه كل المواقف المشرفة لبلادنا.
ويجب أن لا ننسى أن بيننا من بعض أصحاب الأفكار القاصرة في التعريف بمكانة المملكة وأهميتها ساهمت في ترسيخ الصورة النمطية التي حاول البعض أن يضعنا فيها وخاصة القضايا المتعلقة بالمرأة وبالفكر والثقافة بشكل عام وجنوحهم بتبني أفكاراً منغلقة جعلتنا في فترات غير قصيرة غير قادرين على توضيح الصورة الحقيقية لهذا البلد وأهله بل جعلت البعض من أبناء بلادنا ينضمون إلى من يشن الحملات علينا بسبب تصرفات أو مفاهيم لم يكن بإمكان المثقف السعودي غير قادر على تغيير مواقف أصحاب القوى المتشددة إلا الانضمام إلى صفوف من يقوم بالحملات ضدنا وشرائح من المجتمع لا يستهان بحجمها أنجرت إلى التصديق في ما يقال عنا في الإعلام العربي والأجنبي غير المحايدين. وأيضاً خبرتي الأكاديمية وخاصة في تاريخ بلادنا الحديث والمعاصر مما جعلني على دراية كاملة بأهمية الأدوار التي قامت بها المملكة منذ نشأتها في خدمة القضايا العربية التي يحاول البعض أن يجحدها بل ويشوه الصورة الناصعة لها ونحن لم نقم بما يجب القيام به بالشكل الصحيح لتوضيح الصورة.
ولذا أقترح:
أولاً: إعلان خطاب إعلامي سعودي عربي جديد يبرز الدور السعودي تجاه قضايا الأمة العربية التي تتعرض لمخاطر كثيرة.
ثانياً: إيمان المملكة بأنها المعنية الأولى بالقضايا العربية على أسس مدروسة وعملية ومنطقية بعد أن فشلت كل المشاريع العربية التي تزعمتها أنظمة عربية لم تكن سوى شعارات سرعان ما رأيناها تنهار واحدة بعد الأخرى.
ثالثاً: يجب أن نكون واضحين وبقوة في تبني مشروعنا العربي الجديد ومهما كانت التحديات.
رابعاً: إنتاج أفلام وثائقية وحلقات نقاش عن تاريخ المملكة ومواقفها من القضايا العربية.
خامساً: إنشاء مراكز دراسات سعودية في العواصم العربية المهمة للتعريف بتاريخ وثقافة وحضارة المملكة العربية السعودية وتقوم بالإسهام في خلق فكر عربي جديد يركز على أهمية حماية الأمن القومي العربي والتكامل العربي في جميع مناحي الحياة.
سادساً: إنشاء محطة تلفزيونية عربية في أهم عاصمة عربية للثقافة وهي بيروت حيث هناك تشكل الفكر العربي ومن هناك يمكن إعادة تشكيله على أسس غير طائفية أو مذهبية أو حزبية.
وتقبلوا معاليكم فائق احترامي وتحياتي