تعيش بلادنا الطاهرة وطن الإسلام ومأرز الإيمان بلاد الحرمين وقبلة المسلمين المملكة العربية السعودية هذه الأيام نعمة انعقاد البيعة المباركة لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله تعالى ومتعنا بحياته- ملكاً على البلاد, ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود ولياً للعهد, ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولياً لولي العهد حفظهم الله جميعاً وأيدهم ونصرهم, وأدام عزهم. وأن من أهم ما يجب علينا تجاه هذه النعمة العظيمة أن نحمد الله تعالى ونشكره على إتمام هذه النعمة واجتماع الكلمة واتحاد الصف فله سبحانه الحمد والثناء أولاً وآخراً. كما نذكر بأهمية البيعة ومنزلتها في الإسلام, حيث إن البيعة الشرعية لولي الأمر لها أصلها في الإسلام وأدلتها من الكتاب والسنة, فلقد بايع الصحابة -رضوان الله عليهم- رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والهجرة والنصرة والمنعة وعلى الجهاد في سبيل الله تعالى كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} كما بايعوه - صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة, يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» (متفق عليه). ثم تتابع المسلمون على ذلك فبايعوا خلفاءهم وأمراءهم وملوكهم بعده - صلى الله عليه وسلم- وتعد بيعة ولي أمر المسلمين من أعظم المقاصد الشرعية التي جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بها والتأكيد عليها والتحذير من التساهل في أمرها وبيان خطر الإخلال بها ونقضها؛ لأن البيعة لولي أمر المسلمين سبب عظيم لتحقيق مقاصد الدين من قيام الشرع وتطبيق أحكامه وتنفيذ حدوده, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, واستقرار المجتمع والتحامه واجتماعه ووحدته وأمنه وحفظ الحقوق والبعد عن الشقاق والاضطراب والتنافر وإراقة الدماء وحصول الفتن والشرور والمحن, وأن من أهم لوازم البيعة السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية الله امتثالاً لأمر الله تالى القائل سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} فطاعته واجبة شرعاً في جميع الأحوال في المنشط والمكره والعسر واليسر.. ومن لوازم البيعة الشرعية عدم الافتيات على ولي الأمر بالقيام بشيء من خصائصه وصلاحياته إلا بإذنه كإقامة الحدود والإذن بالجهاد ونحوها, لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» (رواه مسلم). كما أن من لوازم البيعة الشرعية لولي الأمر النصح له بالدعاء له بالخير والتوفيق والإعانة والتسديد والصلاح, يقول الإمام البربهاري: (إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله).
ومن لوازمها النصيحة له وتذكيره بالله تعالى بشرط أن تكون سراً لا علانية, لحديث أبي رقية تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة ثلاثاً قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (رواه مسلم). ومن لوازمها أيضاً عدم الخروج عليه بقول أو فعل وشق عصا الطاعة ومفارقة الجماعة أو تأليب الناس عليه.
وبهذا يتبين أن للبيعة في الإسلام شأن عظيم وأن خطر التهاون بها جسيم, فلنحمد الله على هذه النعمة ولنحافظ عليها ولنقوم بها وبلوازمها حق القيام, فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له, ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». أتم الله علينا نعمه وبارك الله لنا في إمامنا وولي أمرنا ووفقه وأعانه وسدده, وجزاه عنا خير الجزاء وأوفاه.
خالد بن عبدالله الرومي - مدير المعهد العلمي في محافظة الدرعية