جدتي الغالية.. جدتي الحبيبة.. جدتي الصديقة.. جدتي الطيّبة التي أمضيتُ في قربها أجمل الأيام وأسعدها وأدفأ الليالي وأهنأها.. جدتي الحنون التي سقتنا رحيق عمرها الجميل كوردة لم تذبل أبداً إلا في اليوم، اليوم الذي قطفتها فيه يد هادم اللذات ومفرِّق الجماعات، ومجرِي العبرات، ومنتزع الآهات والزفرات من القلوب والحلوق.. جدتي وأمي وفرحي الذي أصبح همي.. خانني الوقت ولم أهنأ بلحظة وداعك.. كنت أنتظر مجيئي لرؤيتك، لكن الأجل لا ينتظر، فما إن أتاني نبأ رحيلك الأليم، حتى ارتد شوقي للقياك حسرة في قلب ملأته أعوام قربك وودك بهجة وسعادة، واليوم يعتصره الألم وخيبة الرجاء، للقاء لم يكتمل، ولموعد لم ينجز، ولفراق عاجل، فكأنك عجلت إلى لقاء ربك، فلم تنتظري حفيدتك التي يتفطّر قلبها وجعاً في رحيلك، وأصداء صوتك ما زالت تتردد في المكان، ووجهك الطيّب البريء يضحك لنا، كأنه يطمئننا، حتى بعد رحيلك، وسجادة صلاتك التي طوتها يد الموت تنزف حرقة على رحيل جبينك العطر الوضاء الذي طالما حطّ عليها في حب الله وطاعته والتقرّب إليه بالطاعات.
الدموع يا جدتي حائرة لا تصدق.. تتساءل: ما الذي حدث! أركان منزلك تحولت إلى ذاكرة تتوالى عليها المشاهد تلو المشاهد.. رحلتِ وتركتِ لي تلك الأركان تحكي تبدأ الحكايات من جديد.. حكايات الماضي الجميلة، التي أصابتها فجأة شيخوخة الحزن.. جاهدة أتجاهل حقيقة وداعك.. لا أصدق هذا الفقد الكبير الذي تتهاوى أمامه البهجة، وتنطفئ ابتسامات الفرح.. يا له من ألم ذلك الذي يدهم جسدي كله في رحيلك يا جدتي.. يا لها من حسرة تلك التي تعتصر القلب.. يا له من هم ذلك الذي كسر ظهراً كان مطمئناً بوجودك في هذه الحياة، سنداً لحفيدتك التي ما زالت منذ طفولتها تندفع إليك حبواً ثم جرياً ترتمي في دفء حضنك الدافئ، وتستمتع برقيتك وقت الحزن، وتلذ للطعام من يديك، وتتنفس بهجة العالم في ابتسامة وجهك الصبوح، وتتعلّم شؤون الحياة في مدرسة حكمتك، وتشب على آدابك، وتطرب لقصصك وحكاياتك.. لا أصدق أن باب غرفتك أغلق إلى الأبد، وأن صوتك لن يردد اسمي في هذا البيت.. يا له من حزن ملأ قلوباً تحاول التماسك والتصبر، لكنها تعجز فتنهار من وقع القهر. لم تكوني ملاذنا وحدنا يا جدتي، بل كنت ملاذاً لكل من يقصدك، وأماناً لكل من يلجأ إليك، وسنداً - بعد الله- لكل من يستعين بك في أمر، ويداً ممدودة أبداً لكل محتاج.. يا لها من حسرة تلك التي تكوي الفؤاد حين يقولون «رحمها الله».. يا له من موت يسقط فوق رأسي حين يعددون مناقبك وهم يقولون «في جنات الخلد إن شاء الله».. يا له من ذهول ذلك الذي يعتريني كلما ذكروك بما يذكرون به الموتى، ولا اعتراض على قدرك يا الله لكن غيابها مؤلم مؤلم.. وفقدها فوق الاحتمال.. أسأل الله العظيم الذي جمعنا في الدنيا أن يجمعنا في جنته.. في مستقر رحمته.. على سرر متقابلين.. ولا أقول إلا ما يرضي ربنا .
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ -.
- حفيدتك: غدير عثمان التويجري