حسن حنفي من مواليد (1935م) مفكر، مصري يقيم في القاهرة، يعمل أستاذًا جامعيًا، يُعد من أصحاب المشروعات الفكرية العربية المعاصرين.
حاز على درجة الدكتوراه في الفلسفة، من جامعة السوربون (باريس)، له مؤلفات تربو على الأربعين تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، ويعمل حاليًا أستاذاً متفرغًا في جامعة القاهرة.
وكتابه هو: علوم الحديث: من نقد السند إلى نقد المتن، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2013م)، يحتوي على مقدمة، وبابين تتألف من عدة فصول، فالمقدمة: تشمل نقد مصادر الحديث: ص:7-115، واستعرض المؤلف في المقدمة جملة صالحة من مصادر ومراجع الحديث النبوي الشريف: مثل: كتب الصحاح والسُنن والمسانيد وعلوم الحديث وشروحها، وغالبًا ما يذيل دراسته لكل كتاب بوجهة نظره العلمية سلبًا أو إيجابًا، وقد وفق في ذلك إلى حد كبير.
فالباب الأول، يحوي: الفصل الأول: نقد السند: ص119-189.
هذا الجزء عبارة عن دراسة تحليلية تنصب في مجملها على دراسة ونقد مصطلح الحديث، والفصل الثاني: تحليل المتن، ص190-259.
في هذا الجزء لا يتعرض الباحث لمتون الأحاديث كما يوحي به العنوان بل يستعرض أنواع الحديث مثل: الصحيح والحسن، والضعيف والمدمج والمعضل والمتواتر، ثم يستعرض كتب غريب الحديث، والفصل الثالث: ص260-302، يتناول هذا الفصل عِدة مواضيع مثل: الجرح والتعديل، والكتب المؤلفة فيه إضافة إلى الشروط الواجب توافرها في راوي الحديث وطرق التحمل وآدابه.
والباب الثاني: نقد المتن، ص303-367، وفيه: الفصل الأول: تحدث المؤلف في هذا الفصل عن الأشكال الأدبية التي يرد فيها الحديث، مثل: الآيات القرآنية والشعر واللغة.
والفصل الثاني: نقد المضمون العقلي، ص368-436، والمضمون العقلي عند المؤلف يتعلق بمدى اتفاق معنى الحديث مع العقل، والفصل الثالث: نقد المضمون الواقعي، ص437-520، ويعني المضمون الواقعي مدى تطابق مضمون الحديث مع الواقع الإنساني.
وقبل استعراض الملحوظات أو الوقفات في قراءة الدكتور حنفي لصحيح البخاري، فإنه من المناسب عرض رأي الدكتور حنفي الغريب في صحيح البخاري؛ يقول: في ص 19
«... وهو أول الإصحاحات الخمس أو الست [كذا] وأصحها عند الخاصة والعامة وأكثرها تقديرًا. يُقَسمُ به، ويُتبركُ، ويُتهادى ويحفظ في المكتبات والمنازل ويوضع على الموائد في القصور كوثن أو تمثال؛ في حين أنه أكثرها إيغالاً في الغيبيات والإسرائيليات والخرافات والثقافات الشعبية.»!!!
تتلخص هذه الملحوظات أو الوقفات مع الدكتور حسن حنفي في قراءاته لصحيح البخاري في ثلاثين وقفة وهي:
الوقفة الأولى: في ما جاء في صفة الجنة.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص662-663: (ح: 3245)، «.... أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوةُ ورشحُهُمُ المسك».
- قال الدكتور حنفي: « والذهب والفضة قيمتان دنيويتان مع أنهما محرمان شرعًا لأنهما يرمزان إلى نعومة النساء وليس إلى خشونة الرجال. رشحهم المسك: مع أن الرشح عيب وعلامة على البرد» ص427.
وأقول: يعتقد الدكتور حنفي أن الفضة محرمة على الرجال وهذا غير صحيح؛ فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم من فضة. والرشح المشار إليه في الحديث هو العرق: فعرق أهل الجنة مسكٌ وليس كما ظن الدكتور حنفي أنه من أعراض البرد ص421.
الوقفة الثانية: في ما جاء في التكبير والتسبيح عند المنام.
ورد هذا الحديث عند البخاري ص:1338 (ح: 6318)، جاء عند البخاري أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت لأبيها تطلب منه خادمًا يكفيها مشقة العمل، فلم تجده. ثم إن رسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى ابنته وهيَ وعليِّ زوجها في فراشهما، فقال لهما: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا أربعًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم».
- قال الدكتور حنفي: «... ولماذا هذا العد التنازلي بواحدة؟ [أي، 34- 33- 33] وإذا كان هو أمراً نفسياً، لا يشعران بالإرهاق من أعباء المنزل، فمن الذي سيقوم بها؟ من الذي سيقوم بأعباء المنزل. التنظيف والطهي والترتيب؟ يُخشى أن ينتهي ذلك إلى الشعوذة، وأن يمارس في المواقف الخطرة مثل مواجهة العدو في القتال» ص475.
- وأقول: لم يبيِّن الدكتور حنفي لنا العلاقة بين اشتغال النفس بذكر الله وتمجيده، وممارسة الشعوذة في المواقف الخطرة؟ أما حثهما على الدعاء فهو توجيههما إلى الحرص على أعمال الآخرة والبعد عن الترف بطلب خادمة.
الوقفة الثالثة: في ما جاء في رُقية العين.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1232 (ح: 5738)، قالت عائشة: «أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يُسترقى من العين»، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق» ونهى عن الوشم.
- يقول الدكتور حنفي: «ويأمر حديث آخر بالاسترقاق من النظرة، فالعين حق، ولا تعالج بالوشم. وكيف تكون العين حقًا وفي نفس الوقت ينهى عن الوشم؟» ص476.
- وأقول: في الواقع أن هذين الحديثين لا رابط بينهما؛ فكل مستقل عن الآخر. أما حديث أبي هريرة، فلم تظهر المناسبة بين جملتيه، فكأنهما حديثان مستقلان. انظر ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (ح: 5740). أما حديث عائشة فلا إشكال فيه.
الوقفة الرابعة: تحنيك المولود.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص803: (ح: 3910)، عن عائشة، قالت: «أول مولود ولد في الإسلام -أي بعد وصول المهاجرين إلى المدينة- عبدالله بن الزبير، أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ تمرة فلاكها ثم أدخلها في فيه، فأول ما دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم».
- قال الدكتور حنفي: «... والطفل لا يأكل شيئا [كذا] في هذا السن، وقابل للعدوى من فم الكبار. والسياق سحر المسلمين في مقابل سحر اليهود، ومستوى ثقافي في مستوى ثقافي مشابه» ص، 477-478.
- وأقول: إن ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر من كل شيء. والتحنيك من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم. ولا مجال لاحتمال العدوى من ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وليت أن الدكتور حنفي بيَّن للقارئ ما المقصود بسحر المسلمين مقابل سحر اليهود. وهل ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء من السحر؟!
الوقفة الخامسة: في أمر سُراقة وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص803: (ح: 3911)، قال: «فالتفت أبوبكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا. فالتفت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللهم اصرعه»، فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال -أي سُراقة-: يا نبي الله، مُرني بما شئت، فقال: «فقف مكانك، لا تتركن أحدًا يلحق بنا». قال: فكان أول النهار جاهدًا على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له».
- قال الدكتور حنفي:» والرسول قادر على أن يدعو على فارس لحق به بالهلاك فيقع من على فرسه فهلك. وهو ما يعادل في وسائل القتال القديمة إطلاق النبال والسهام، وما يقال في وسائل القتال الحديثة، إطلاق الرصاص والصواريخ؛ فالدعاء لا يقتل عن بُعد وإلا لدعا الفلسطينيون والعرب والمسلمون على إسرائيل بالهلاك» ص477.
- وأقول: يظهر بوضوح أن الدكتور حنفي ينكر قيمة الدعاء أو أثره سلبًا أو إيجابًا، وينسى قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} والآيات الواردة في الحث على الدعاء وفضله كثيرة، ويحسن بالدكتور حنفي الرجوع إليها في القرآن الكريم وفي مصادر السُنة الشريفة.
ثم إن الفارس سُراقة، الذي قال عنه الدكتور حنفي إنه هلك بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يهلك في الواقع؛ بل صار مدافعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُضلل كل من قابله من المشركين باحثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كم كنت أتمنى لو أن الدكتور حنفي كان أمينًا في نقله، ودقيقًا في فهمه.
الوقفة السادسة: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم علاج للمريض.
ورد عند البخاري ص46: (ح: 190)، عن السائب بن يزيد قال: «ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابن أُختي وقع [وجع؟]، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة. ثم توضأ فشربت من وضوئه. ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة».
- قال الدكتور حنفي: «هذا خيال محض. فالنبوة ليس لها خاتم يُرى وأين يوضع؟ وفي أي إصبع؟ وأين بين الكتفين؟! ولماذا يراه غير نبي؟ وكيف يشرب إنسان من وضوء آخر واستنشاقه وتمخطه، حتى ولو كان نبيًا» ص478.
-وأقول: إنني أستغرب كثيراً من عالم كبير مسلم مثل الدكتور حنفي الذي صرف اهتمامه وجهده مؤخراً إلى دراسة السيرة النبوية والحديث النبوي الشريف، ولا يعرف شيئاً عن خاتم النبوة!! ويظن أنه من الخواتم التي توضع في أصابع اليد!! ويتساءل في أي الأصابع يوضع؟. أما أن يشرب الإنسان من وضوء آخر وما فيه من تمخط واستنثار، فلم يقل به أحد، إذ الواضح من الحديث أن السائب شرب من فضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل الوضوء أي بقيته ليس مخاطًا ولا أثرا للاستنثار فيه.
الوقفة السابعة: في بول الصبيان.
ورد الحديث عند البخاري، ص51: (ح: 223)، «عن أم قيس بنت محصن، أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها صغير لم يأكل الطعام، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله».
-قال الدكتور حنفي: «... بال الرسول على الطعام ورش بماء ودعا عليه حتى يأكل الطفل المريض الطعام. فكيف يصح المريض بالبول حتى ولو كان بول نبي؟ البول بول والدواء دواء والنفس تعاف الطعام المرشوش بالبول» ص 478.
- وأقول: إن من أبسط القواعد التي تقوم عليها الفلسفة هو إعمال مبدأ الفهم الصحيح والدكتور حنفي من أعلام الفلسفة؛ والنص واضح ليس في الرواية المذكورة ما يشك فيه.كيف تجاسر الدكتور حنفي على اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالبول على الطعام؟! إنني أدعو الدكتور حنفي لقراءة نص الحديث مرة أخرى وسيجد أنه كان مخطئاً في قراءته ومفترياً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى البخاري الذي نقل لنا الحديث. والقراءة واضحة وضوح الشمس إذ إن الطفل الجالس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بال على ثوب النبي فجاؤوا له بماء فنضح البول ولم يغسله.
الوقفة الثامنة: في التلبينة للمريض.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1224: (ح: 5689)، « عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ التلبينة تَُجِمُّ فؤاد المريض وتذهب بعض الحُزنْ».
- قال الدكتور حنفي: «التلبين للمريض يعرفه الطب الشعبي، وهو أشبه ما يُعرفُ بـ «اللبخة» أو اللزقة، يُعالجُ الأمراض البدنية والنفسية. ص478.
- وأقول: أولاً: إن التلبينة؛ هي حساءٌ يُعملُ من دقيق أو نخالة ويُجعلُ فيها عسل. ومن الغريب حقاً أن الدكتور حنفي لا يفرق بين الحساء أي الشوربة وبين اللصقة واللبخة!
ثانياً: كيف تعالج اللزقة أو اللبخة الأمراض النفسية؟!
الوقفة التاسعة: في التشمير للثياب.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1241: (ح: 5786)، «عن أبي جُحيفة قال: «... فرأيت بلالاً جاء بعَنَزة فركزها، ثمَّ أقام الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حُلة مشمراً، فصلى ركعتين إلى العَنَزة، ورأيت الناس يمرون بين يديه من وراء العَنَزة».
- قال الدكتور حنفي: «.. وتشعر الحيوانات بمعجزات الرسول، فبعد أن ركز بلال عنزة [أي عَنْز] ليقيم الصلاة، صلى الرسول ركعتين إلى العَنْزةَ والدواب يمرون بين يديه من وراء العَنْزةَ. وهو إخراج مسرحي جميل! فبلال يرى أن مرور العنزة بين يدي الرسول أثناء الصلاة لا يجوز مستعملاً بعض العنف بركزها. وصلى الرسول والحيوانات تمر أمامها بقيادة العنزة. ففي تاريخ الأديان تألف الحيوانات الرسول وتصدقه قبل أن يؤمن به الإنسان، تعبيرًا عن طبيعة الحيوان وجحود الإنسان». ص، 479-480.
- وأقول: إن مما يدعو للحيرة والتساؤل أن الدكتور حنفي الذي صَنَّفَ هذا السفر الضخم «علوم الحديث» لا يزال لا يفرق بين العَنْز وهي حيوان والعَنَزَة، وهي رمح طويل في نهايتها زُج أي قطعة من حديد، وهي التي ركزها بلال في قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولو أدرك الدكتور حنفي معنى العَنَزَة لما تجشم عناء هذا الشرح الطويل والتخبط العجيب!.
الوقفة العاشرة: في فضل سورة الكهف.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1090: (ح: 5011)، «عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه يَنْفرُ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: «تلك السكينة تنزلت بالقرآن».
- قال الدكتور حنفي: «نفرت الدابة فنزلت سحابة عليها، واعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم سكينة نزلت للقرآن. فالقرآن يستدعي السحابة في مجتمع صحراوي جاف في حاجة إلى مطر، ولا يليق بالدابة أن تظل بجوار قارئ القرآن؛ فالرواية تصوير فني لقيمة القرآن في سياقه الجغرافي البدوي الصحراوي الذي يقوم على الحيوان والماء» ص480.
- وأقول: لا تعليق على هذا القصور الواضح في الفهم والتصور والتفسير المادي المفرط! وإن كان لا بد من تعليق فيجب على الدكتور حنفي أن يعرف أن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل، والمسلمون يتقربون إلى الله بتلاوته، والحديث السابق يبين لنا فضل سورة الكهف، والدليل على فضل هذه السورة أن السكينة تنزلت بالقرآن. أما أنه لا يليق بالدابة أن تظل بجوار قارئ القرآن، فهو تصور يستعصى على الفهم!!
الوقفة الحادية عشرة: في هل يستخرج السحر؟
ورد الحديث عند البخاري، ص1237: (ح: 5765)، وهو حديث طويل رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، «قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن... وهذا أشد ما يكون من السحر، وكان الذي سحره لبيد بن الأعصم رجل من بني زريق، حليف لليهود، كان منافقًا، وقد وضع السحر في مشط ومُشاطة... في بئر ذروان... قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: «هذه البئر التي أُريتُها، وكأن ماءها نُقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين...».
- قال الدكتور حنفي: «الضعف الجنسي له أسبابه العضوية وليس السحر والربط كما هو الحال في العادات الشعبية، وقد شُفى الرسول بالعجوة والسحر المضاد، وكيف يكون الدواء بالعجوة والسحر؟ وكيف يمارس الرسول أوعائشة السحر؟» ص481.
- وأقول: لعل أغرب ما جاء في تعليق الدكتور حنفي السابق هو قوله: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شُفي بالعجوة والسحر. علمًا أن رواية عائشة المشار إليها أعلاه ليس فيها شيء عن شفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالعجوة والسحر!! إنْ هذا إلا اختلاق. الذي جاء بهذا الخصوص ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من تَصبَّح سبع تَمراتِ عَجْوة، لم يضره ذلك اليوم سُم ولا سِحْر». البخاري، ص، 1238 (ح: 5769).
الوقفة الثانية عشرة: في الحلق من الأذى.
ورد هذا الحديث عند البخاري، ص1225 (ح: 5703)، عن كعب بن عُجرة، قال: «أتى عليّ النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أُقِدُ تحت برُمة والقَمْلُ يتناثر عن رأسي، فقال: «أيوذيك هوامك؟» قلت: نعم. قال: «فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة، أو انسك نسيكة».
- قال الدكتور حنفي: «إن علاج هوام الرأس الحلق أو وضع الدواء المطهر لقتلها... فكيف يكون العلاج صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو النسك بعض الوقت» ص485.
-وأقول: إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لكعب أن التخلص من هوام الرأس هو الصوم أو بقية الكفارات بل أمره بالحلق أولاً، ثم أخبره بما يجب عليه من إحدى الكفارات الثلاث. أما النسك بعض الوقت فلا يدري ما هو؟ وكيف يكون؟ إن المراد بالنُسُك الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو إهراق الدم أي «الفدية» لأن أهل الحديبية في حديث كعب كانوا محرمين بالعمرة التي صدهم المشركون عنها.
الوقفة الثالثة عشرة: في المن شفاء للعين.
ورد الحديث عند البخاري، ص1226-1227: (ح: 5708)، عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الكمأة من المَنّ، وماؤها شفاءٌ للعين».
قال الدكتور حنفي: «وكيف يكون ماء الأكمه شفاء للعين؟ كيف يكون ماء المريض دواء للمريض إلا بدافع العجب وشد الانتباه والخروج عن المألوف» ص485.
وأقول: من الواضح أن الأمر اختلط على الدكتور حنفي فلم يُميزِّ بين الأكمه -أي الأعمى خِلَقة- والكمأة وهي من نبات الأرض، مثلها مثل المشروم وغيره. ألم يكن لدى الدكتورحنفي فُسحة من الوقت للبحث في معاجم اللغة ليعرف الفرق بين الأكمه والكمأة؟!
الوقفة الرابعة عشرة: في صفة الشمس والقمر.
ورد الحديث عند البخاري، ص: (ح: 3202، 3203، 3204)، جاء عند البخاري بسنده عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» (ح: 3202) وجاء في صياغة أخرى عند البخاري بسنده عن عائشة: «... فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة» (ح: 3203) وفي صياغة ثالثة عند البخاري عن ابن مسعود قوله صلى الله عليه وسلم «... فإذا رأيتموها فصلوا» (ح: 3204).
-قال الدكتور حنفي: «... ولما كانت الشمس والقمر آيتان من آيات الله، ينتهي الكسوف والخسوف بدوران الأرض وليس بالدعاء والصلاة»، ثم يضيف في الصفحة نفسها (ص384)، «... ثم يعود التشخيص والدعوة للصلاة لهما حين رؤيتها مما يقرب من الصابئة».
- وأقول: الذي يمكن فهمه من تعليقات الدكتور حنفي على ظاهرتي الخسوف والكسوف أنه ينكر الحاجة إلى الصلاة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بحجة أن الكسوف والخسوف ينتهيان بدوران الأرض والقمر، ولعل الأمر الأكثر غرابة هو تشبيه صلاة المسلمين في حالتي الكسوف والخسوف مما يقرب من الصابئة!! علمًا أن المسلمين لا يصلون للشمس ولا للقمر ولكنهم يصلون تضرعًا وخيفة إلى خالق الشمس والقمر.
يتبع
- د. محمد بن فارس الجميل