محمد بن حمد البشيت
من محاسن وجماليات «الحكم الملكي»، خصوصاً «الحكم السعودي» توافق الأسرة الحاكمة، بتداول الحكم بكل يسر وسهولة. يلاحظ ذلك في انتقال السلطة من ملك لملك آخر، وفق إطار دستوري ملكي متبع منذ عهد المؤسس الراحل الملك عبد العزيز آل سعود - طيَّب الله ثراه - .. ظلت السعودية محافظة على هذا النهج القويم بخطى سياسية حكيمة، في إدارة شؤون الحكم بكل حنكة واقتدار، مستمدة شرعيتها الدستورية من شريعة القرآن والسنة النبوية، الأمر الذي هو نبراس العدل والإنصاف بين الحاكم والمحكوم.. سار على نهجه ملوك توالوا على إدارة شؤون البلاد بغير اختلافات وانشقاقات بين الأسرة الحاكمة كأسرة مالكة متآلفة، تمخض عن هذا التآلف تشكيل مجلس خاص «للأسرة الحاكمة» بعهد الملك عبد الله لتداول الآراء وتوافق وجهات النظر بالإجماع واتخاذ القرارات الصائبة التي تصب في مصلحة البلاد والعباد وكثيراً ما كانت قرارات سيادية وحكيمة.
علاقة الحاكم بالمحكوم هي فن التعامل مع الآخر، قوامها الحكمة والمرونة وتأسيس الأمور بحنكة وفطنة ودهاء، وأُسسها العدل والإنصاف بين الحاكم وشعبه وفق قوانين وأنظمة مؤطرة لهذه العلاقة.. ولعلنا هنا ندرك جيداً في المملكة العربية السعودية مدى العلاقة الحميمة الدافئة ومتانة الحب والتلاحم بين الحاكم وشعبه. كيف لا والأبواب مشرعة للمواطن ليصل بمطالبه لمليكه وولي عهده دون ممانعة أو أي حواجز معيقة.
إن من روائع الحكم «الملكي» أنه يتمتع بسياسة هادئة ورزينة هدفها البناء والنماء اقتصادياً واجتماعياً، مشفوعة بالأمن والأمان المحافظ على سلامة المجتمع وعلى مكتسبات الوطن وثرواته وتراثه، حيث لا يجوز لكائن من كان التدخل بشؤون الوطن والمجتمع والعبث بوحدة نسيجه الاجتماعي لغرض الإخلال بالوحدة السكانية، لذلك فإنَّ ما يصدر من قرارات تصدر وفق رؤى عاقلة ومتزنة لا تظلم مواطنها ولا تسمح له أن يكون ظالما لأخيه. كما أن من ميزات الحكم الملكي أنه يختلف كلية عن الحكم الجمهوري الدكتاتوري الذي يلاحق ويطارد مواطنيه ويتهمهم باتهامات باطلة ويسجنهم ويعذبهم ويعلق لهم المشانق، وفق تقارير كاذبة وكيدية أريد بها إرهاب شعب لترسية حكم عسكري جبروت، لتصفية خصومه ومعارضيه. هذا هو الفارق الشاسع بين حاكم عسكري يخشى لقاء مواطنيه مخافة قتله وحاكم ملكي يتجول وسط شعبه، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم بكل طمأنينة، كأنه الأب الرحيم للجميع حينما يقابله الكل بالترحاب والفرح حباً بتواجده بينهم لا خوف ولا وجل متبادل بين ملك وشعبه.
لذلك فإنَّ الحكم الملكي دائماً يكون هو الأفضل والمفضل عند الشعوب العربية التي عايشت فتراته الزاهرة. وقد سمعت الكثير من مواطنين عرب حنينهم وأمنياتهم بعودة الملكيات لسابق عهدها مثلما كان بالعراق وليبيا، بدلا من جمهوريات الخوف والرعب التي اكتوت شعوبها بعذابات الجمهوريات العسكرية الدكتاتورية.. فالملكيات تتعامل مع شعوبها بالرحمة والشفقة وتلبية مطالبهم. هذه ميزة من ميزات ملكيات مستقرة وهو ما ينشده المواطن العربي، مثلما هي متواجدة في دول أوروبيَّة وفق سياسات عاقلة ومتزنة داخلياً وخارجياً.
وبما أن السعودية دولة ملكية فإنها تنعم بالاستقرار والرفاهية سياسيا واقتصادياً ولها الدور الكبير الذي تلعبه بالمنطقة؛ لكونها مستقرة داعية للمحافظة على التوازنات الدولية والعربية على وجه الخصوص، فكثيراً ما سعت وما زالت حثيثة المساعي لحل الكثير من القضايا الشائكة التي تحدث بالمنطقة.. وكثيراً ما أبدت السعودية وجهة نظرها وساهمت مساهمات كبيرة في حل هذه القضايا العربية وأخذت مشورتها حيالها بعين الاعتبار في معظم الأمور التي كانت تحتاج للرؤية السديدة والمعالجة التي تحقق الأهداف المرجوة لسلامة بلدها وبلدان الوطن العربي، تجنباً لمغبة المخاطر الداهمة على غر غفلة، مثلما هي العاصفة الهوجاء المدمرة التي اجتاحت الوطن العربي بما سمي «الربيع العربي» وإن شئتم فقولوا «الخريف العربي».
إن في المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً وإن افتقدت قائد الأمة الحاكم الحكيم الملك عبد الله الذي غيّبه الموت قضاء وقدر، فرغم مرارة الغياب إلا أن السعودية استطاعت أن تنهض من هذه الفاجعة الأليمة، في انتقال السلطة ومبايعة الشعب للملك سلمان أتى بجزالة مثل الانتقال بديناميكية سلسة كانت مذهلة للعالم.
الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.. كان يملك كاريزما مبهرة في الحوار والإقناع.. وله بصمة كبيرة من الإنجازات العظيمة المنجزة بعهده على الصعيد الداخلي والخارجي، الحمل الثقيل الذي أثقلت الهموم على بدنه، ومع ذلك سعى جاهداً في تأمين أولويات الداخل والاهتمام بها.. كالاهتمام بخدمة الحرمين الشريفين وهو من نذر نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين. وبمثل معالجة التنمية المستقلة دون ضغوط أو إملاءات خارجية بإحداث نظم وإدارات وهيئات جديدة كهيئة حقوق الإِنسان وهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» والبعثات الخارجية للشباب والشابات لينهلوا من العلوم والمعارف في محاكاة العالم الآخر الأكثر تطوراً وخبرة لتأتي المحاصيل بريعها خبرات مهنية خادمة للوطن والمجتمع.. وإدخال المرأة مجلس الشورى لتشارك زميلها الرجل في العمل الإداري والمهني، وأسس مركز الملك عبد الله للحوار الوطني لبعث روح المواطنة بين أفراد المجتمع وتداول الآراء فيما بينهم. كما صدر بعهده الكثير من القرارات المصيرية المسعدة للمجتمع للأخذ به نحو مجتمع تنموي تعليماً وعملاً ظهرت نتائجها ملموسة على أرض الواقع المشاهد.
واليوم فإنَّ القائد الجديد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز سيقود المرحلة التالية في تكملة المسيرة، أعانه الله وأعان أعوانه ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز نسأل الله التوفيق للجميع وأن يكون في قدومهم قدوم خير وبركة للبلاد والعبادة.. ورحم الله ملكنا الراحل عبد الله بن عبد العزيز وطيَّب الله ثراه الذي توافد على مأتمه العالم بأسره لتقديم مراسم العزاء للملك سلمان وإخوانه. وإن دل توافد زعماء العالم لتقديم مراسم العزاء، فإنما يدل على الرمز العظيم عبد الله بن عبد العزيز وعلى الثقل السياسي التي تتبوؤه السعودية به في دورها الريادي العالمي.