د. حمزة السالم
طرح معالي الدكتور محمد الجاسر عام 2013 مسألة أهمية تقنين الإعانات، وقد أثار الموضوع بالأمس معالي الدكتور فهد المبارك في كلمته بمعهد الإدارة.
فالإعانات الحكومية قد تختلف صورها وأهدافها، إلا أن غرضها الإستراتيجي هو مصلحة الاقتصاد. فمصلحة الاقتصاد هو مصلحة سياسية واجتماعية، كما أن المصلحة السياسية والمصلحة الاجتماعية هي مصلحة اقتصادية. فالأمن والاستقرار هو القاعدة لأي اقتصاد، والاقتصاد أيضا هو أس السياسة.
فالأصل في الإعانات -الإنتاجية منها والاستهلاكية-، من منظور اقتصادي بحت، هو تعظيم الإنتاج العام. وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بشرط أن لا تؤدي الإعانة إلى فشل تحقيق التوازن الحقيقي لسوق السلعة المدعومة. والتوازن الحقيقي للسوق يتحقق عندما يكون سعر السلعة موازيا لسعر التكلفة. فعند هذه النقطة يتحقق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية في المجتمع.
والضابط الذي يضبط الإعانة الاستهلاكية، سواء أكانت إعانات نوازل أو إعانات دائمة، هو كونها ألا تؤدي إلى تحفيز الإسراف. والحد الضابط للإسراف هو عندما يكون سعر السلعة أقل من سعر كلفة إنتاجها.
وهذان ضابطان واضحان لاختبار الجودة الاقتصادية من خطة الإعانة الحكومية الاستهلاكية. فكل إعانة تؤدي للإسراف، لكونها تباع بأقل من كلفة إنتاجها، فهو دليل على سوء التخطيط لها، مالم تبرركلفتها تحقيق زيادة في الإنتاج العام سواء لعامل الاستقرار السياسي أو الأمن الاجتماعي أو لعوامل ديناميكية المُعامل التضاعفي في الانتاج العام.
فكما أشار معالي الدكتور المبارك، في كلمته أمام معهد الإدارة، حيث أشار إلى أن من التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي اليوم هو رفع مستوى كفاءة الاستخدام الداخلي للطاقة والمياه، والذي قد أضر بها الإعانات الحكومية.
وتدني كفاءة الاستخدام الداخلي للطاقة والمياه هو أمر ناتج عن الإسراف الذي هو نتيجة طبيعية لتسعير الماء والطاقة دون كلفة إنتاجها.
وبلادنا اليوم، كعصر الفاروق، لا تحتاج لسهم المؤلفة قلوبهم، فلا حاجة اليوم لدعم الاغنياء في السلع الاستهلاكية لتأليف قلوبهم، بل لدعم المُنتج ليزيد في الإنتاج. وبلادنا كذلك ما زالت دوما وأبدا مجتمعا إنسانيا يحتاج للتكافل والتراحم الاجتماعي، الذي يعود بالعوائد الاقتصادية على المجتمع.
وكذلك هو الأمر أيضا في الدعم الإنتاجي، كدعم المصانع. فيجب أن يحقق زيادة الانتاج العام، وذلك ضمن زيادة الانتاج للتاجر المُنتج، بسبب الإعانة الحكومية، لا مجرد زيادة محضة لأرباح الملاك، من غير زيادة انتاجية.
وهذا ما أشار إليه معالي الدكتور المبارك في خطابه «وهذا يتطلب إعادة النظر في سياسة دعم الأسعار واستبدالها بشكل تدريجي ومدروس باستمرار الدعم الذي يستهدف شرائح الفئات منخفضة ومتوسطة الدخل مع مراعاة للآثار الاجتماعية لأي تغيير».
فأي مشروع لإعادة النظر في سياسية دعم أسعار الطاقة والمياه الاستهلاكية يجب أن يرتكز على قاعدة اقتصادية أساسية ذات هدف اجتماعي يحقق التكافل والتراحم.
فأما القاعدة الاقتصادية فهي تتمثل في إعادة نقطة التوازن لسوق المياه والطاقة، والذي لا يتحقق إلا بتسعير الطاقة والمياه بأسعار تساوي كلفتها الإنتاجية. وأما الهدف الاجتماعي التكافلي فهو يتحقق بإعادة تقديم الدعم نقدا لمستحقيه فقط.
وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي وتدوير الإعانة للشرائح الاقتصادية الاخرى، و يمتنع الإسراف المهدر للثروة الوطنية، والمتسبب في فشل السوق.
فمُستحق الإعانة لن يسرف في استخدام المياه والطاقة إذا ما استلم الإعانة نقدا بل سيوجهها لشراء حاجيات أخرى من السوق. وبذلك تنتقل أموال الدعم من مستحقها إلى التاجر، الذي سيوسع تجارته وبالتالي يزيد من توظيفه لافراد المجتمع وهكذا تدوير للإعانة الاستهلاكية لتحقق الاستغلال الأعدل والأنفع والأمثل للمجتمع كله من الإعانات.
كما أن ذلك سيحقق الجانب السياسي والاجتماعي بتحقيق فرحة الاحساس بالدعم النقدي للمواطن المستحق، والإحساس بتميزه وبمشاركة الدولة والمجتمع لحاجته، الأمر الذي كان غافلا عنه لعدم تمييزه عن غيره، ولعدم إداركه بالدعم المتضمن في سعر السلعة.
وأما دعم أسعار المياه والطاقة للمصانع فهذا موضوع آخر مستقل، قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا، فالإعانات الانتاجية إعانات لا تتعرض نقطة توازن السوق للسلعة المنتجة، فيفشل السوق في تحقيقها، بل يُخطط لها لتصب نتائجها كزيادة عامة في الإنتاج العام إذا ما أحسن التخطيط لها.
فمشكلة الدعم الصناعي للمياه والمصانع ليست في الإسراف كحالة الدعم الاستهلاكي، بل المشكلة تكمن في تثبيط الهمة التنافسية للمنتج الداعية له للتطوير والتحسين، وبالتالي تؤدي الى تدن في الكفاءة الإنتاجية. فضمان الربح السهل لانخفاض الكلفة الإنتاجية بسبب الدعم يقتل همة الابداع والتطوير، كحال بنوكنا كأكبر شاهد على ذلك. (فلا كلفة عليها تُذكر، لعدم دفعها فوائد على الوادئع مما أفسد إنتاجيتها ومنع تطورها العلمي وإبداعيتها الانتاجية).
كما ان الدعم الصناعي للمياه والطاقة، ليس له مردود اجتماعي او سياسي كبير، وعلى هذا، فإن لم يكن للدعم مردود في زيادة مستوى الانتاج العام، فما هو إلا مجرد منحة من ميزانية الدولة لملاك هذه المصانع.
وضابط الدعم الصناعي، هو مقدار المُعامل التضاعفي العائد في الاقتصاد السعودي. وحد هذا الضابط يعتمد اساسا على توظيف السعوديين في هذه المصانع. وفي هذه الاشارة كفاية فإعادة النظر في سياسة الإعانات هي دعوة لتحقيق فرحة راتبين دائمة للمواطن السعودي، مستهلكا كان أو مُنتجا، وفي مقالي المسكوت عنه في قطع الإعانات وتوجيهها عن طريق التأمينات والتقاعد بتاريخ 10 محرم 1434 العدد 14667 حل مقترح سريع التنفيذ سهل التنفيذ ممكن التطبيق للإعانات الاستهلاكية وأما الاعانات الانتاجية فلها وقفة أخرى.