جلال الطالب
الكثير منا يعاني من مسألة عدم فهم المتلقي لما يرمي له الفنان مختزلاً بلوحاته والكثير من المتلقين أو - العامة من الناس - يعانون من عدم فهم الفن التشكيلي، ولعلني أحاول هنا فك رموز هذه الأحجية التي باتت مقلقة للجانبين سواء كانوا فنانين أو متلقين.
فلسفة الفن لب المشكلة هي في عدم فهم فلسفة الفن التشكيلي حتى نخرج من هذه الإشكالية، فالسواد الأعظم من التشكيليين يؤمنون بفلسفة الفن للفن، التي انعكست تلقائياً على منجزهم الفني وفلسفة الفن للفن أو ما تُسمّى الفلسفة البراجماتية، يعرِّفها الفيلسوف الأمريكي جون ديويهي أن العقل ليس أداة للمعرفة، وإنما هو أداة لتطور الحياة وتنميتها، فليس من وظيفة العقل أن يعرف.. وإنما عمل العقل هو خدمة الحياة.. وإنها تعني الطبيعة المتاحة، ضد الموثوقية التعسفية واليقينية الجازمة والاصطناعية وادّعاء النهائية في الحقيقة بإغلاق باب البحث والاجتهاد. وهي في نفس الوقت لا تدّعي أو تناحر أو تمثّل أو تنوب عن أية نتائج خاصة، إنها مجرد طريقة فحسب، مجرد منهج فقط.. وحين نضع هذه المقاييس للبراجماتية نجدها تنطبق على الكثير من منجزات التشكيليين سواء بالخليج أو الوطن العربي إلا ما رحم ربك، وهي بالمفهوم التشكيلي أننا نبدع لأننا نبدع فقط، أو نرسم لأننا نرسم فقط, مثلاً نرسم زهرة الأقحوان لأنها جميلة, فتكون اللوحة من باب تجميل المكان ليس إلا.
وإن فلسفة «الفن المبدأ والقضية» لا يوجد له حيز من المنجز الفني الذي يرتكز على القيم والمبادئ لمفهوم القضية الاجتماعية، وبالتالي أضحت البراجماتية مهيمنة على المشهد التشكيلي، إذن لا بد من تحديد مفهوم فلسفة الفن أولاً، ومن ثَمَّ تتضح لنا هوية المشكلة.
فعزلة التشكيلي عن محيطه بتبنيه الفلسفة البراجماتية تجعل منه إنسانًا ثانويًّا غير متفاعل مع قضايا مجتمعه.. وفي المقابل أجد لدى الروائيين «الرواية السياسية» ولدى الشعراء «القصيدة النضالية»، وأتساءل: أين التشكيليون من قضايا مجتمعهم؟!.. أين اللوحة من قضية التشكيليين أنفسهم..؟!
إذن، الفن هو انعكاس لواقع المجتمع، فهو شاهد لحقبة قد عايشناها وأخرى لأسلافنا لم نحيها, فارتباط الفنان بمجتمعه أمر محبب بشرط أن لا يكون ارتباطه بإطار هذا المجتمع دون التوغل بأعماقه وتهميش إنسانه.. فالمتلقي أي الإنسان بهمومه هو مركز الدائرة - أقصد دائرة المجتمع، فإن لم يكن الفن التشكيلي محاكاةً لقضية الإنسان تصبح اللوحة مجرد شكل دون مضمون, ومن هنا يعي المتلقي الإنسان مدى ثقافة هذا الفنان ومبادئه وأخلاقه، ليكون محفزاً لفهم الفن التشكيلي، وبالتالي يتحرك شعور الانتماء لهذا الفن ويقتني لوحة تحاكي قضيته.