إبراهيم عبد الله العمار
ما أجمل الأمل.. وما أقواه.
الأمل واحة منعشة غنّاء في جوف ولهب الصحراء.
الأمل حبل النجاة الناعم بين أغلال العذاب الغليظة.
إذا استَعَرَت جحيم الدنيا وأحاطت بالنفس حتى أوشكت أن تستسلم يتجلّى لها الأمل.. فيتبسّم في وجهها ويؤيها برفق إلى جنةٍ تنبلج من العدم فتضيء الوجود.
بالأمل اصطبر الصابرون وأقدم المناضلون. بالأمل تَجلَّد الأبطال فأبلوا في القتال أحسن البلاء وزلزلوا الأعداء.
بالأمل يَصبر عمّار رضي الله عنه على العذاب الجسدي.. والأشد منه العذاب النفسي.. يرى أباه العزيز ياسر يعذَّب بشدة حتى يستشهد، لا لشيء إلا لأنه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله. يرى أمه الحبيبة سمية تُعَذَّب بلا رحمة على يد الكفار فترة طويلة، حتى تستشهد، ويظل عمار في المعاناة، صابراً الصبر العظيم، لا يُصبّره إلا الأمل.. الأمل في الجنة التي وعده الله إياه وأهله.. لما قال لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام: «صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة».
للأمل يَرفُض رسول الله عَرْض مَلَك الجبال.. أحد كائنات الله العظيمة.. مَلَكٌ ذو قوةٍ كونيةٍ أقوى من كل شيء صنعه البشر.. حتى الأعاصير لا تحرك الجبال.. أما هذا المخلوق الجبار فلا أسهل عليه من أن يضرب الجبال ببعضها كما يلطم الخباز قطع العجين بين يديه. أتى الإذن الإلهي للمَلَك، فيخبر الرسول أنه «مصرَّح له» بتدمير الظلمة، ويَعرِض أن يُطبق جبلي الأخشبين على المجرمين لكفرهم وإجرامهم.. فينظر النبي للمستقبل ويبرُق الأمل أمامه فيقول: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا».
وسط صيحات الأعداء وقعقعة الأسياف وطعنات الرماح.. ينسى عنترة كل هذا ويتعلّق بالأمل.. الأمل أن يعيش لما بعد المعركة.. ليَلقى معشوقته عبلة فيغني لها: ولقد ذكرتكِ والرماح نواهل...
في ظلمات زنازين الطغاة، يمسك اليأس يد السجين المظلوم وينقشع فمه عن ابتسامةٍ سوداء، يناشد السجين أن يستسلم له.. لليأس. يستنشق السجين بعمق، وقبل أن يزفر زفرة اليأس يجد في استنشاقته أريج شَعْرِ زوجته ورائحة مولوده الزكية، يحيا الأمل داخله، فيجذب السجين يده بعنف من قبضة اليأس ويركل وجهه الدميم خارجاً. ينظر حوله، ويا للمفاجأة: لقد صارت الزنزانة الضيقة ساحة واسعة! يحلّق الوجهان الحبيبان أمامه. تتبدد ظلمات الزنزانة بابتسامة الأمل.
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.. تقولها ملائكة الرحمة للمحتضر المؤمن فلا تزعزعه فتنة القبر ولا أهوال القيامة.. يتجلّد لها.. لديه وعدٌ إلهي.. لديه الأمل.
الأمل أساس حياتنا كلها. الأمل في رحمة الله ومغفرته.. الأمل في زوال الهم وجلاء الغم ووصول الحبيب وقُرب البعيد.. الأمل في اعتلاء القمة.. في كشف الغُمَّة.
«أَمَل».. ثلاثة أحرف.. ولا نريد بدلاً عنها كنوز الدنيا.