أ. د.عثمان بن صالح العامر
كنت مساء الجمعة الماضي مسترخياً أشاهد التحليل الفني قبل انطلاق المباراة النهائية على «كأس ولي العهد»، صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - .. لحظتها رحل بي الخيال بعيداً.. قلت في نفسي: ترى لو توفر لمجتمعنا المعرفي هذا الزخم الإعلامي، هل سنظل على ما نحن عليه من حال ؟ هل ستبقى أبحاثنا حبيسة الأدراج، ومبتكراتنا بلا تمويل، وعلماؤنا والمخترعون أسماء مجهولة؟؟؟ لم أقف عند هذا الحد بل تولّد عن هذا السؤال العرضي البسيط أسئلة عدّة وأفكار متعددة، حصيلتها أنّ ما ننشده وطنياً من تحوُّل فعلي إلى مجتمع المعرفة، يتطلب أن نحاكي الرياضة السعودية، أقصد كرة القدم على وجه الخصوص في ميداننا المعرفي، ويترتب على هذا القول أمور كثيرة أهمها في نظري:
* إنشاء أندية علمية مستقلة لها شخصيتها الاعتبارية ومجلس إدارتها المنتخب، ورابطة مشجعيها المتحفّزة لرفع الرايات والهتاف، وشعاراتها ذات البريق، ورعاتها و... إضافة إلى توفير الدولة جميع عوامل النجاح والتميُّز ومتطلّباتهما لهذه الأندية الواعدة حتى لا تموت في مهدها، كبناء المقار وتوفير المعامل وتهيئة المناخ المتوافق والبيئة الإبداعية التي يحتاجها أصحاب المواهب والمهارات المتميّزة، وجزماً هذا الأمر ليس هيناً ولا متيسراً في بلادنا اليوم وللأسف الشديد، ولكن متى ما وجدت الإرادة الوطنية الصادقة، وتوافرت الحوافز والمشجعات المادية والمعنوية، وكان هناك التبنِّي الرسمي القوي من قِبل صنّاع القرار فستتغير الأحوال بإذن الله، إذ إنّ هناك وعداً من الله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}ـ والمفهوم الضمني أننا إن نحن أردنا بناء مجتمع معرفي فلنغيِّر من الداخل، وهذا يدخل في باب التغيير لما في النفس الوطنية .
استقطاب شخصيات مجتمعية بارزة، وعلى رأس المستقطبين أصحاب السمو، ورجال المال والأعمال، وذلك من أجل ترؤُّس هذه الأندية والانتظام في عضوية مجالسها .
فتح المجال للاحتراف العلمي أمام الشباب السعودي وتهيئة البيئة الملائمة لنجاح هذا المشروع الوطني الناقل لنا في المستقبل القريب بإذن الله إلى مصاف الدول التي تصنع الفارق الحضاري .
توظيف الإعلام التوظيف الحقيقي للمتابعة والتحليل والتحفيز وإجراء المقابلات ونقل المنافسات بين هذه الأندية، ووجود برامج يومية مغرية للمشاهد ومشجعة للمشارك.
السماح للأندية باستجلاب مبتكرين وباحثين أجانب، وإبرام عقود داخلية مع كوادر وطنية، وإتاحة الفرصة للانتقال المؤقت أو الدائم بين الأندية محل الحديث .
اجتذاب المدربين العالميين المتخصصين في الاختراع والبحث العلمي، وذلك من أجل تطوير الابتكارات وصقل المهارات وبناء الكوادر التدريبية والإشرافية المتخصصة في هذا الفن من المعارف أو ذاك.
وجود أكاديميات تابعة لهذه الأندية تحتضن النشء منذ الصغر وتدرس ميولهم وتنمي مواهبهم وترعى أفكارهم وتطور مبتكراتهم وتسوّق منجزاتهم عالمياً .
الاتجاه لبناء الفرق البحثية ذات البناء التكاملي في المعرفة، وعدم الفصل بين العلوم في جزر مستقلة، كما هو حادث اليوم من جعل المنافسة البحثية والابتكارية فردية غالباً .
الاهتمام بجماعات النشاط العلمي في مدارس التعليم وجامعاته، وإسناد الإشراف عليها للمختصين وأصحاب الدراية والخبرة ومنحهم المميّزات اللازمة .
إعطاء دورات تدريبية لأولياء الأمور والمعلمين في منهجية الرعاية المثالية للمواهب والمبتكرين وأصحاب الميول البحثية المعمّقة، حتى يتسنى للأسرة والمدرسة أن تكونا شركاء في صناعة النجم التوّاق للوصول إلى بناء مجتمع وطني معرفي متميز .
وجود منافسات حقيقية وقوية بين أندية المعرفة على كأس الملك وولي العهد و...
وجود هيئات إشرافية ولجان تحكيم علمي متخصصة، وإدارات قانونية ومالية مؤهلة تدير عجلة هذا المشروع الوطني المفصلي المهم.
قد يقول قائل : وماذا قدم الرياضيون رغم كل هذه الإمكانيات والدعم والحضور والتشجيع؟ .. والرد على هذا التساؤل المنطقي بإيجاز : أنّ ضعف المخرجات وتردِّي النتائج لا يستلزم عجز الآليات في تحقيق النجاح بمجال آخر خاصة « المعرفة « التي ما زالت آلياتها الحالية - مع شديد الأسف - أضعف من استنهاض المجتمع وبث الحماس في نفوس الناشئة، وبعث الهمم المتطلّعة لإيجاد جيل يعشق العلم ويبدع في باب الابتكار، والحديث عن هذا الموضوع المتشابك المتعدّد الوجوه ليس هذا محله، ولست من أهله المختصين فيه، فقط أردت من الربط الذي قد يستغربه البعض سوق ما دار في خلدي بكل تفاصيله لحظة كتابة المقال قبيل انطلاق مباراة الأهلي والهلال مساء الجمعة الماضي ، دمتم بخير وتقبّلوا صادق الود والسلام.