عبدالعزيز السماري
لا يمكن بأي حال إغفال أهمية القضاء في رفعة الأمم وتطورها، ولا شك أن نزاهته واستقلاله تاج على جبين الأوطان، وأشبه باللقاح الأبدي ضد عدم الاستقرار، وما تم إنجازه في مشاريع تطوير القضاء شاهد على ذلك، وما زال ينتظر المزيد من التطوير والتنظيم في هذا القطاع المهم في حياة الإنسان.
لعل القفزة المنتظرة إخراج العشرات من اللجان شبه القضائية المتخصصة من سلطة الإداري، والعمل على نزع صلاحية المدير الإداري على أدائه لمهمته النبيلة، والذي يقوم في واقع الأمر بدور الموجه غير المباشر للجنة التابعة له، وعندما يكون قرار تحويل القضية إلى اللجنة القضائية تحت سلطة الإداري يتم تعطيل حقوق الناس، وإضاعة أوقاتهم في استجداء المدير لتحويلها إلى اللجنة، ثم في تصديق الحكم وغيرها من الإجراءات الإدارية.
كذلك أن يبدأ العمل في إخراج الشؤون القانونية من داخل المؤسسات الإدارية، التي يتم استغلالها من بعض ضعاف النفوس في إذلال موظفي المؤسسة، وفي تطفيشهم عندما يطالبون بحقوقهم الشرعية، والذي قد يصل إلى حد التهديد بالفصل، وهو ما ينافي أحكام الشريعة، وأنظمة العمل في المملكة، ولهذا السبب يفترض ألا تعود المرجعية القانونية لهذه المؤسسات إلى المدير العام، ولكن تعود إلى المحاكم المتخصصة إذا خرجت في المستقبل من سلطة الإداري.
بينما يختلف الأمر في المحاكم الشرعية، حيث تتم الأمور بسلاسة ونظام مشرف، حيث لا يحتاج المدعي موافقة المدير أو الوزير لتقديم قضيته إلى المحكمة، وتعتبر هذه التجرية رائدة في المملكة، وتعكس في جانبها استقلال القضاء بكل ما تعنيه الكلمة، ولو تم نقل اللجان المتخصصة تحت سلطة الوزارات إلى ما يشبه هذه المحاكم لتحقق الإنجاز الوطني، ولدخلنا عصراً جديداً في مراحل تطور الوطن.
في الوعي العام تم استخدام حديث «قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار»، لوسم القضاء بالفساد، وبأن ثلثي القضاة في النار، مما شوّه العلاقة بين القاضي والمجتمع، وشوّه مكانة القاضي بين الناس، بينما لا يعني الحديث إدانة غالبية القضاة، وكما فهمت من المفسرين للحديث أنه تعبير عن عظم منصب القاضي، لكنه لا يمثل إدانة لتلك المهنة العظيمة، ولهذا السبب يجب تصحيح الوعي العام عن دور القاضي في المجتمع، وعن أهمية تعزيز مبدأ النزاهة في القضاء، ويحتاج الأمر إلى جهود مشتركة من الجميع للوصول إلى تلك النتيجة.
كان إطلاق مصطلح «نزاهة» على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد موفقاً للغاية، فقد أدخل في الوعي الوطني أهمية النزاهة في الحياة العملية والعائلية، وفتح الباب إلى الوعي بأبواب وطرق الفساد، وبالتالي ازداد الحمل على القاضي، وأصبحت أحكامه تحت مجهر الوعي الوطني، وهو ما يعزز دور القاضي النزيه، ويجعل منه مثالاً للتقدير بين الناس.
نحن في حاجة ماسة إلى تحديد يوم للقاضي في العام، فيه محاكاة ليوم المعلم، نتذكر فيه سمات القاضي النزيه، وأهمية نزاهة القضاة واستقلالهم، والأهم من ذلك دورهم العظيم في استيفاء الحقوق، وردع الظلم، ومنع التسلط في الأرض، وفيه أيضاً تذكير للمفسدين الذين يحاولون استغلال مناصبهم لتعطيل الحقوق ومحاسبة المفسد، ولا شك أن النوايا صادقة في الوصول إلى ذلك، ويحتاج الأمر إلى تفعيل.
يجب أن ندرك جميعاً أهمية هذه المهنة في المجتمعات الآمنة، وأن نحاول قدر الإمكان منحها الاستقلال للبت في قضايا الناس، مما سيعزز دور القاضي في المجتمع، وسيكون ذلك طريقاً سهلاً للوصول إلى مرحلة الطمأنينة في نفوس المظلومين، كما ستكون له ردة فعل عظيمة في أفئدة أولئك الذين لا يترددون في إلحاق الأذي بالناس، وبالتالي يتحول القضاء المستقل والنزيه إلى حصن منيع ضد من يحاول أن يمس هذا الوطن العزيز بسوء، والله على ما أقول شهيد.