أ. د. عبدالمحسن بن وني الضويان
صدرت مساء الخميس الموافق لليوم التاسع من شهر ربيع الثاني 1436هـ أوامر ملكية كان من ضمنها إلغاء اثني عشر جهازاً حكومياً، وإنشاء جهازين جديدين هما: مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويهدف إلغاء المجالس إلى تطوير النواحي الإدارية والقضاء على كثير من الإجراءات البيروقراطية وإعطاء مرونة كافية لاتخاذ القرارات الصائبة بيسر وسهولة. وقد اعتبر ذلك ارتقاءً بمستوى أداء أجهزة الدولة، وهو إجراء متوقع بل هام وضروري بعد أن وصل مستوى التنظيم السابق إلى مرحلة تحد أحياناً من أداء كثير من الأجهزة الحكومية.
ومن ضمن الأجهزة التي شملها الإلغاء، مجلس التعليم العالي والجامعات، الذي يشرف على تطبيق نظام التعليم العالي والجامعات المكون من عشر لوائح موحدة تعنى بشؤون صلاحيات المجالس والقبول في الجامعات، والدراسات العليا، والبحث العلمي، ولائحة أعضاء هيئة التدريس وغيرها. لكن هذا النظام يحتوى على إجراءات طويلة وتمر بعض مواده بتوصيات مجالس متعددة كمجلس القسم، ومجلس الكلية، والمجلس العلمي، ومجلس الجامعة، وكثير منها يستلزم موافقة مجلس التعليم العالي، وهذا يعني إطالة غير ضرورية في اتخاذ القرار وليس بالضرورة يعني زيادة الضبط وجودة القرار، بل إن الوقت قد يمضي في انتظار انعقاد أي من هذه المجالس وتفوت الفرصة على أصحاب الشأن من أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب، لحضور المؤتمرات، وإعادة قيد الطلاب، وانعقاد الندوات والمؤتمرات في أوقاتها. وقد نادى كثير من المهتمين بشؤون التعليم العالي إلى مراجعة اللوائح المنظمة لسير العملية الأكاديمية والبحثية، وإعطاء صلاحية البت فيها لرئيس القسم والعميد أو وكيل الجامعة، واتخذت بعض الإجراءات لتحقيق ذلك لكنها تطلبت وقتاً طويلاً.
في نظري إن قرار إلغاء مجلس التعليم العالي له مبرراته التي رآها ولي الأمر بناءً على تجربة حوالي عشرين سنة، لكنني أعتقد أن هناك أموراً تتعلق بالتعليم العالي ينبغي أن تناط بجهة عليا على سبيل المثال وليس الحصر، سياسة القبول في الجامعات، وتطوير البحث العلمي وتوجيهه لما يخدم خطط التنمية وأوجه الصرف عليه، وإنشاء الكليات، والأقسام، أو إلغاء الموجود منها تحقيقاً للمصلحة العامة وضروريات التطور العلمي والتقني وحاجة البلاد من كوادر علمية ومهنية مؤهلة.
الجهة العليا التي أتحدث عنها يمكن أن تسمى الهيئة العليا الدائمة للإشراف على التعليم العالي والجامعات، أو أي اسم تراه الجهات المعنية مناسباً وتكون منبثقةً من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. تتكون هذه الهيئة من رئيس من ذوي الخبرة الأكاديمية والإدارية، وبعض مديري الجامعات، وأعضاء هيئة التدريس ممن مارس العمل الأكاديمي والإداري على مدى سنوات، وأيضاً من بعض رجال الصناعة والقطاع الخاص، حيث وجودهم في هذه الهيئة يثري العملية التعليمية بما يرونه من أهمية لتخصصات، أو انحسار أهمية بعضها، نظراً لتشبع سوق العمل بها أو لأنها لا تحقق أهدافاً تطويرية للبلاد. وجود هذه الهيئة المقترحة أو غيرها أكد عليه الأمر السامي الكريم، حيث ورد نص يعالج مراجعة الأنظمة والتنظيمات والأوامر التي تتأثر بقرار إنشاء الجهازين الجديدين وأناط ذلك بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء. تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من دول العالم بما فيها الدول التي توصف بالمتطورة لديها هيئات عليا بمسميات مختلفة تعنى بالتعليم العالي والجامعات.
قد يقول قائل ولماذا إنشاء هيئة أليس ممكناً أن تكون مواضيع التعليم العالي من اختصاص الجامعات، تعطى الصلاحيات في جميع ما كان من اختصاص مجلس التعليم العالي؟ هذا القول صحيح إلى حد ما وقد يكون مناسباً بعض الشيء لجامعات المملكة العريقة التي اكتسبت خبرة أكاديمية وإدارية خلال عقود من إنشائها، لكن ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن هناك حوالي ثماني عشرة جامعة أُنشئت حديثاً، وهي جامعات وليدة، قد لا تستطيع اتخاذ القرارات التي تتطلب خبرة واسعة في هذا المجال.
هيئة التعليم العالي المقترحة لها مهام أساسية لعل من أهمها:
المحافظة على المستوى العلمي للدراسات الجامعية والدراسات العليا، ودراسة مقترحات الجامعات لإنشاء كليات أو أقسام علمية، ومعروف أن إنشاء مثل هذه الهيئات الأكاديمية له متطلبات لابد من تحقيقها مثل: أن يكون للكلية أو القسم المقترح أهمية علمية تُعنى بما يجري في حقول المعرفة عالمياً، أو يتطلبها سوق العمل، أيضاً أن يكون مستوى الكلية العلمي أو القسم المقترح يضاهي ما هو موجود في الجامعات العالمية العريقة، بالإضافة إلى ضرورة التنسيق مع وزارة الخدمة المدنية والقطاع الخاص فيما يتعلق بالتوظيف.
أعتقد أن الهيئة سيكون من أول مهامها مراجعة نظام التعليم العالي والجامعات ولوائحه، كل لائحة وكل مادة بحيث تؤدي هذه المراجعة إلى:
1- إلغاء بعض مواد اللوائح التي لا لزوم لها.
2- تطوير مواد اللوائح وجعلها من اختصاص الأقسام أو الكليات أو مجلس الجامعة.
3- إضافة ما تراه مناسباً مما يحتم وجوده التطور العلمي والتقني.
4- تقليل الإجراءات وموافقة المجالس الجامعية قدر الإمكان والحد من البيروقراطية والإطالة غير الضرورية.
الهيئة العليا للتعليم العالي والجامعات المقترحة تهتم بالإطار العام للتعليم العالي، كما ذكر وخاصة سياسة القبول في الجامعات والكليات التخصصية، وتوجيه البحث العلمي والصرف عليه، والموافقة على إنشاء الكليات والأقسام العلمية بعد استيفائها للمتطلبات ومواءمتها لسوق العمل والتوظيف وغيرها.
آمل أن يجد المسؤولون في هذا المقترح ما يحقق هدف تطوير التعليم العالي والارتقاء بمستواه والوصول إلى أقصى قدر من المرونة في اتخاذ القرار المناسب.
حفظ الله بلادنا وحفظ لنا أمننا واستقرارنا في ظل قيادتنا الحكيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد ووزير الداخلية.
والله ولي التوفيق والقادر عليه.