الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ حاجة المجتمعات إلى الأمن إذ الأمن بمعناه الشمولي والواسع يعد من أهم مكونات ومقومات بناء الدولة وضرورة لقيام الدين والحياة واستقرار الشعوب والمجتمعات، وإن الناظر في نصوص الشريعة الإسلامية وغاياتها يدرك مكانة الأمن في الإسلام، فإن منزلة الأمن في دين الله قد بلغت مرتبة الضرورات فهو من ضرورات حياة الإنسان واستقرار المجتمع، كما أن إقامة الأمن إقامة للدين، ففي قوله سبحانه وتعالى ممتناً على قريش: (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) تنبيه إلى العنصرين الأساسين في حياة الإنسان وهما الأمن والطعام فلا يتصور قيام للإنسان والناس بدونهما، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) إشارة إلى عماد الحياة وقيامها بالأمن والصحة والغذاء.
جاء ذلك في مستهل حديث لمعاليه بعنوان: (الأمن الفكري في الشريعة الإسلامية)، ومضى معاليه يقول: لقد عني الإسلام بتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وهي حفظ النفس وحفظ الدين وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال, فإذا حُفظَ للإنسان هذه الخمس كانت الحياة الآمنة في الدنيا والسعادة في الآخرة، فتحقيق هذه المقاصد يصون الإنسان من الكفر والشرك والزيغ والانحراف والإفراط والتفريط واتباع الهوى والسير في مزالق الشر، فالإسلام يعد الأمن نعمة وفضلاً، لأنه من أعظم عوامل السعادة لبني الإنسان يتحصنون به من الشرور والفتن، وينعمون في ظله بنعم الهدوء والاستقرار والاطمئنان.
وأكد معاليه أن مصطلح الأمن الفكري يعد أبرز المصطلحات التي بدأت تأخذ اهتماماً ومركزاً متقدماً في ظل التطورات السريعة التي شهدها العالم على كافة الأصعدة، فمن المعلوم أن العقل محرك الإنسان ومنبع أفكاره وقائد توجهاته، ومدار الحسن والذم والقبول والرد، وبه يستطيع الإنسان أن يتخذ قراراته في هذه الحياة سلباً أو إيجاباً، لذا تظهر الحاجة إلى الأمن الفكري الذي يتصدى لكل فكر دخيل ويحمي الإنسان من الانحراف أو الخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه لمختلف القضايا ويهدف إلى حفظ النظام العام وتحقيق الأمن والطمأنينة والاستقرار في مناحي الحياة المتعددة، كما يهدف إلى أن يعيش الناس في بلادهم آمنين على منهجهم وثقافتهم المستمدة من دينهم.
وقال: إن أساس الأمن الفكري قائم على صحة المعتقد وسلامة الفكر، وعليه يتم إعداد العقل إعداداً سليماً وشاملاً ومتكاملاً، ولقد حبانا الله تعالى مصدرين أساسين في بناء الفكر وتوجيه الاعتقاد، بهما يتحقق الأمن والسلامة والفلاح في الدارين، ألا وهما القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا شك أن من أهم ما يحقق الأمن الفكري للمجتمع ويصونه من الأفكار الضالة والمنحرفة غرس العقيدة الصحيحة في النفوس ولزوم منهج الكتاب والسنة والبعد عن الإفراط والتفريط على مستوى الأفراد وشرائح المجتمع ومؤسساته والتزام الجميع بذلك في المجال الدعوي والتربوي والتعليمي والثقافي والإعلامي وفي الميدان الاجتماعي والاقتصادي وغيرهما.
وأضاف معالي الدكتور عبدالله آل الشيخ يقول: إن مما يحقق الأمن الفكري التصدي للمحاولات التي ترمي إلى المساس بثوابت الدين وأحكام الشرع أو تهديد الوحدة الوطنية ومن ذلك تصنيف الناس والمجتمع إلى فئات وإظهارها وكأنها متصارعة متنازعة، ولقد نهجت المملكة منذ تأسيسها نهجاً عملياً سليماً من خلال تطبيق حماية مقاصد الشريعة في المجتمع الإسلامي، وما يستهدفه هذا التطبيق من تنمية وتحقيق للأمن الشامل بوجه عام، والأمن الفكري بوجه خاص.
وأكد معالي رئيس مجلس الشورى أن جهود المملكة في محاربة الانحراف الفكري وعلاجه مضرب المثل ومنهجاً تحتذي به دول العالم التي تعاني من ويلاته، إذ قامت بإطلاق الحملات الفكرية التي تهدف إلى تصحيح الأفكار الضالة ومواجهة الشبه المغرضة وبيان المسلك الشرعي كما جاء في الكتاب والسنة، وكشف أوجه الغلو والتطرف، وأسهم في هذه الجهود الأجهزة الحكومية المعنية والمؤسسات المدنية، والهيئات العلمية والدعوية فانبرى العلماء والدعاة ورجال التربية والإعلام والاختصاصيون توعية ونصحاً وإيضاحاً وتبياناً، ونُظّمت برامج المناصحة للموقوفين بغية إعادتهم إلى المجتمع وقد صلحت أحوالهم وأدركوا خطأهم وضلال مسلكهم.
وانتهى معاليه إلى القول: إن على الجميع أن يدعم كل الجهود التي ترمي إلى تحقيق الأمن من كل فكر ضال ومعتقد فاسد وسلوك منحرف وأن يكون له إسهام في ذلك كل في محيطه ومجاله وذلك نصرة للدين وحماية للمجتمع وذوداً عن حمى الوطن.