محمد سليمان العنقري
بعد البيان المشترك، بين وزارة العمل ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، انتهى الجدل لدى الأوساط غير الرسمية من وسائل إعلام، أو مختصين وباحثين، حول من يعتد ببياناته حول نسب البطالة، وحجم قوة العمل عموماً، والذي تم التأكيد فيه أن مصلحة الإحصاءات هي الجهة الوحيدة لمصدر معلومات سوق العمل ومؤشراته، وبذلك، فإن أي استنتاجات من بيانات وزارة العمل لا يؤخذ بها كقياس لنسب البطالة،
وبذلك يفترض أن لا يتم التركيز على مؤشرات سوق العمل من، حيث حجم القوة العاملة والبطالة إلا على ما تصدره المصلحة فقط، لأن لوزارة العمل برامج وإجراءات تخصها، بينما المصلحة هي المعنية بإصدار كافة معلومات الاقتصاد الوطني.
وبداية، فما تعتمده مصلحة الإحصاءات من أسلوب لقياس نسب البطالة، لا يختلف عليه أحد بأنه طريقة عالمية، وتقوم على مبدأ المسوحات للأسر بإستخدام استمارات وضعت فيها معايير منظمة العمل الدولية لحساب العاطلين، وبالتالي استنتاج نسب البطالة، وهذه المنظمة الدولية تأسست عام 1919م، وتعد إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، ولعبت دوراً كبيراً في تحسين سوق العمل الدولية، وساعدت بمعاييرها المعتمدة والتي شهدت أهم تطوير لها عام 1982م في نوعية المعايير والأساليب، التي يمكن من خلالها الوصول لمعدلات البطالة بالدول وفق التعريف الذي اعتمدته للعاطل عن العمل، فمن حيث المبدأ، تعد طريقة المسوحات هي السبيل الأجدى للوصول لنسب العاطلين، كما يتضح من خلال ما وصلت له المنظمة الدولية، والذي يطبق بأغلب دول العالم.
إلا أن ما يطرح من تساؤلات حول مدى الدقة بالنسب المعلنة من قبل المصلحة حول أرقام البطالة، هو الآلية التي تطبقها بالمسوحات، وكيفية مقارنتها بأرقام يمكن أن تعطيها تصورا لمدى صحية عملها. فالكثير من الدراسات على مستوى الوطن العربي، والتي قام بها باحثون متخصصون حول طرق حساب البطالة بالعالم العربي، خلصت إلى وجود خلل ينتج عنه أرقام غير دقيقة حول نسب البطالة، واتفقت الدراسات، بأن طريقة المسوحات هي الأفضل، لكن ما يتم بالعالم العربي يشوبه خلل يتمثل بأن المسح يجب أن يكون شاملاً كل الأسر، وهذا لا يحدث إلا خلال سنوات متباعدة، نظراً لتكاليفه الكبيرة، والاحتياج لعدد كبير من الكوادر البشرية المؤهلة.
أما مسح العينات، فهو أيضا غير دقيق، لأنه يأخذ عدد أسر أقل من النسب التي يمكن أن تعتبر معبرة عن واقع البطالة، بالإضافة إلى أنه قد لا يشمل القرى أو المدن الصغيرة، يضاف لذلك، وعي الناس بأهمية الأحصاء، وإعطائهم معلومات صحيحة لموظفي المصلحة، كما أن عدم اعتماد المصلحة على أرقام برنامج حافز التابع لوزارة العمل، الذي يعنى بالباحثين عن العمل من العاطلين، لعمل مقارنة بين أرقام الجهتين «العمل ومصلحة الإحصاءات» يضعف من دقة الرقم الرسمي المعلن، وهو أساساً من أوجد الجدل حول نسب البطالة الحقيقية.
فبحسب الدراسات المشار إليها، أوضحت فيها أن عدم وجود مكاتب توظيف وإعانات للعاطلين بالعالم العربي كي تتم المقارنات بين أرقامها وأرقام المسوحات، تعد من مكامن الخلل بإحصاء البطالة، وبما أنه يوجد في المملكة هذا النوع من المكاتب المتمثل بحافز، فمن الأفضل المقارنة معه بعد أن يتم تعديل شروط الاستفادة منه، ليركز على العاطلين الحقيقيين، وليس كما هو معمول به حالياً، إذ إن جزءاً ليس بالبسيط استفاد من البرنامج كدخل فقط، ولا يعرف إذا كان لديه نية للالتحاق بأي عمل. كما أن المصلحة، عليها أن تظهر عدد فرص العمل التي أنتجها الاقتصاد، كي تصح الإحصاءات والمقارنات، والتعرف على أسباب استمرار وجود بطالة بنسبة مرتفعة إلى الآن، رغم إنتاج ملايين فرص العمل بالسنوات الماضية، منذ أن بدأت تشهد انفاقاً حكومياً ضخماً مستمراً إلى وقتنا الحالي.
جهود مصلحة الإحصاءات بتقديم معلومات عن الاقتصاد الوطني كبيرة، وهي في تطور ملحوظ، لكن بما يخص نسب البطالة فإن تطوير آليات وأساليب عملها للوصول إلى أرقام دقيقة يبقى التحدي الكبير. فأرقام البطالة تعني مؤشراً على كفاءة الاقتصاد بإنتاج فرص العمل، وتلعب دوراً رئيسياً ببناء الخطط التنموية، وتوضح الخلل الذي يساهم بارتفاع نسبها أو بتحسنها.. فاقتصاد المملكة، أنتج ملايين فرص العمل خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن البطالة بقيت مرتفعة، لأن نوعية الفرص غير ملائمة بنسب كبيرة، وهو ما أوجد جدلاً واسعاً حول سبب ارتفاع البطالة، والتي تعد أهم تحديات الاقتصاد المحلي، والتي يتطلب حلها تحرك جهات رسمية عديدة مختصة بالشأن التنموي، لتذليل العقبات التي تواجه تدفق الاستثمارات التي ينتج عنها فرص عمل مناسبة للمواطنين دخلاً ونوعاً.