الجزيرة - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
في نهاية عام 2014م سجل عدد سكان المملكة 30.8 مليون نسمة، بمعدل نمو 2.55 %، ويصل عدد السعوديين منهم إلى 20.7 مليون نسمة، أي أن عدد السكان غير السعوديين يصل إلى حوالي 10.0 مليون نسمة تقريبا.. ونظرا لأن المملكة تعد من الدول التي تقدم دعما مباشرا لمعظم السلع والخدمات الضرورية والأساسية، من خلال آليات مباشرة لدعم استيرادها أو تصنيعها أو تقديمها، فإن هذا الدعم في ظل الوضع الحالي في حقيقته يتوزع ما بين المنتج/ التاجر والمستهلك من ناحية، ويتوزع ما بين المواطن والمقيم (وربما الزائر) من ناحية أخرى.. الأمر الذي يوضح بلا شك أن الدعم في ضوء المنظومة الحالية لا يمكن ضمان وصوله مباشرة إلى المواطن المستهلك مباشرة، ولكن في مروره بحلقات التجارة والتصنيع يتم استقطاع أجزاء هامة منه، وأيضا في طريق استهلاكه يتم استقطاع أجزاء هامة أخرى ما بين المواطن والوافد..
أما ثاني أمر هام تمر به المملكة، فهو الارتفاع المستمر والمتواصل في أسعار السلع الأساسية، والتي يأتي على رأسها المواد الغذائية والوقود والطاقة، إلا أن هذا الارتفاع ليس أمرا خاصا بالسوق السعودي وحده، وإنما هو شأن عالمي أصيبت به معظم دول العالم منذ عام 2008م تقريبا.
الآن توجد ملامح للتفكير في استراتيجية جديدة تعيد تقنين منظومة الدعم الحكومي عموما، وخاصة الدعم للسلع والخدمات الأساسية ذات الأهمية الحيوية للمواطنين.. والسؤال الذي يطرح نفسه، كم قيمة الدعم الحكومي في ميزانية الدولة؟ وهل هذا الدعم أصبح عرفا ونمطا أم أنه يفترض أن يكون مؤقتا لفترة معينة للمساندة؟ وهل من المنطقي الاستمرار في تقديم هذا الدعم للسلع الرئيسية للوقود والكهرباء حتى بعد الانخفاض في الأسعار العالمية للنفط والتي أثرت بشدة على الإيرادات الحكومية؟ وعليه، ألم يحن أوان تقنين هذا الدعم لضمان عدم الهدر فيه؟ الهدف المطلوب ليس تقليص دعم السلع الضرورية، وإنما ضمان وصوله إلى مستحقيه «المستهلك المواطن»؟
الدعم الحكومي دائما يتصف «بالمؤقت»
مفهوم الدعم، هو مساندة أو حماية لسعر سلعة ضرورية وهامة للمستهلكين بالسوق المحلي، أو عزل سعر هذه السلعة من الواقع العام أو العالمي خلال فترة معينة أو قصيرة، حتى تقوى أو تنضج هذه السلعة في سوق معين.. وهذا الدعم أحيانا يستهدف التاجر وأحيانا المُصنع، وأحيانا يستهدف المستهلك مباشرة.. إلا أن هدف الحكومات دائما هو المستهلك، الذي يعتبر هو العميل الأهم لديها.. ودائما يختلف الاقتصاديون حول فترة تقديم الدعم.. حتى للمستهلك، فالدعم هو عزل للمستهلك من الواقع العالمي أو الدولي بتقديم سعر مدعوم.. إلا إن هذا العزل ليس من المنطق استمراره إلى ما لا نهاية.. أما اللا منطق هو عدم القدرة على تقديم هذا الدعم بشكل يوصله إلى مستحقيه مباشرة.
التضخم المستمر في أسعار السلع الأساسية
رغم أن الدعم يجب أن يأخذ صفة «المؤقت»، إلا إن التضخم أصبح في حكم المستمر ليس بالمملكة فقط، ولكن بكافة دول العالم تقريبا.. فالرقم القياسي لتكلفة المعيشة بالمملكة أصبح يحقق زيادة من ربع لربع سنوي، ومنذ 2008م لم يتوقف عن الزيادات المستمرة.. رغم أننا ينبغي أن نوضح أنه بدأ يسجل هدوءا خلال عام 2014م تقريبا.. فالرقم القياسي العام سجل ارتفاعا من 106.1 نقطة في 2008م إلى مستوى 126.7 نقطة في 2013م.. وفي هيكل هذا الرقم العام حدثت زيادات في أسعار سلع هامة بالمملكة، أهمها السكن والوقود اللذان سجلا ارتفاعا من 108.5 نقطة في 2008م إلى حوالي 154 نقطة في عام 2013م، بزيادة بمقدار 41.8 % تقريبا، مقابل زيادة بنسبة 23.6 % للمواد الغذائية الاساسية، وهي ثاني أعلى مجموعة تحقق زيادات في المستوى العام للأسعار.. هذا التضخم يوجب التفكير في تقديم دعم حكومي على الأقل للسلع التي لا يوجد لها بدائل ولا يستطيع المستهلك امتلاك القوة على تحمل أعباء ارتفاع أسعارها.
الدعم الحكومي.. شكوك حول وصوله للمستهلك «المواطن»
عندما يتم تقديم الدعم لاستيراد الأرز، هذا الدعم في الحقيقة مقدم لكي تضمن الحكومة وصول الأرز إلى المستهلك بسعر مناسب، وبالتالي، فهي تدعم المستهلك من خلال تقديم الدعم للمستورد، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يتم توزيع هذا الدعم ما بين المستورد والمستهلك؟ هل يمكن أن يستقطع المستورد جزء من هذا الدعم ويستفيد منه، علاوة على أرباحه العادية من الاستيراد والتجارة والتوزيع؟
أكثر من ذلك، فسلعة الأرز تباع بالسوق المحلي لكل السكان بما فيهم غير السعوديين، وهؤلاء يقيمون بغرض الادخار بالمملكة، ورغم أنه تحكمهم عقود معينة، ليس من ضمنها الاستفادة من الدعم الحكومي، فإنهم يستفيدون ويشاركون المواطنين في الاستفادة من كل دعم حكومي مقدم للسلع الأساسية.
ارتفاع فاتورة الإعانات المباشرة بالمملكة
تقدم المملكة إعانات مباشرة في ميزانيتها الحكومية سنويا، وتتجه هذه الإعانات بشكل مكثف صوب السلع الزراعية أو الغذائية، وخاصة في مرحلة «المنبع».. حيث تقدم الدولة إعانات مباشرة للأعلاف تتزايد من عام لآخر، حيث ارتفعت من 1.0 مليار ريال في 2009م إلى نحو 3.0 مليار ريال في 2014م، وهذه الإعانة ليس المستهدف منها منتجي الأعلاف، ولا المزارعين فقط، ولكن تستهدف تخفيض التكلفة الحقيقية للإنتاج الحيواني عموما، وهي بالفعل تسهم في تخفيض المستوى العام للأسعار بقيمتها.. كذلك، توجد إعانات مباشرة للقمح والشعير وتستهدف تخفيض أسعار كافة منتجات القمح والشعير وهي تتراوح أيضا في حدود 4.0 مليار ريال.
ما هي السلع الضرورية للمواطن؟
السؤال الأهم: ما هي السلع الضرورية للمواطن والتي ينبغي أن يستمر الدعم لها؟ السلع الضرورية تتمثل في السلع/الخدمات الصحية، أهمها الدواء وخدمات الرعاية الطبية، ثم السلع الغذائية الرئيسية حسب طبيعة المجتمع المحلي، والتي من أهمها الأرز والسكر والحليب (وأيضا حليب الأطفال) والزيوت، واللحوم الحمراء والبيضاء والوقود.. أي نستطيع إجمالها في سبعة منتجات رئيسية: الأرز والسكر والحليب والزيوت واللحوم والأدوية والوقود والطاقة.. هذه السلع هي جوهر الدعم المنتظر في كافة الدول، مع وجود اختلافات بسيطة..
في المملكة تكاد الدولة تدعم وبقوة وبشكل مباشر وغير مباشر هذه السلع.. فالدواء والأرز والحليب والسكر والزيوت واللحوم مدعومة في استيرادها، ويتأتي الدعم ولكن من المستوردين والتجار والموزعين.. أما الوقود والطاقة، فيقدم دعمها مباشرة في تقديمها بسعر يقل عن سعرها العالمي كثيرا.
كم حجم فاتورة الدعم الحكومي بالمملكة؟
لا يوجد أرقام دقيقة لحجم الدعم الحكومي، فقط متاح احصاءات عن حجم الإعانات الحكومية، والتي وصلت إجمالا في عام 2014م إلى حوالي 47.5 مليار ريال، وهو الرقم الوحيد المتاح كدعم حكومي.. إلا أن هذا الرقم في حقيقته لا يمثل سوى 10 % من الدعم الحكومي الحقيقي الذي تقدمه الدولة تقريبا.. فالدولة تقدم الكهرباء والوقود والغاز لجمهور المستهلكين بأسعار تقل عن واقعها العالمي كثيرا، وبالتالي فإن الفرق بين السعر العالمي والسعر المحلي يمثل في حقيقته دعما مباشرا للمستهلكين.. هذا عوض عن الدعم المباشر المقدم للمنتجين أو المصنعين أو المستوردين.
فعلى سبيل المثال تشير الاحصاءات إلى أن قيمة واردات وزارة الصحة تراوحت ما بين 4.8 مليار ريال في 2009م، ثم ارتفعت إلى 5.3 مليار ريال في 2010م، ثم صعدت فوق الخمسة مليارات في 2011م (5.1 مليار ريال)، ثم ارتفعت إلى 5.3 مليار ريال في 2012م.. وهذا القيمة غالبا يتم توزيعها مجانا، لأن وزارة الصحة لا تبيع خدماتها الصحية، ولكن تقدمها بالمجان للمواطنين.. وبالتالي فهي دعم حكومي مغلف في شكل خدمات ضرورية.
أيضا هناك الغاز المقدم للمصنعين بسعر يقل عن 0.75 دولارا لكل مليون وحدة حرارية، في مقابل سعر لا يقل عن 3.5 دولار بالسعر العالمي.. لدرجة أن المملكة تكاد تستهلك غالبية غازها الطبيعي دعماً للمصنعين، والذي يفترض أن ينعكس في تقديم تسهيلات مكثفة لهم لتمكينهم من التصدير، وأيضا لتقديم سلع بأسعار مناسبة للمستهلك المحلي.
والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، فكل الخدمات والسلع الضرورية للدولة تدخل في دعمها بشكل مباشر أو غير مباشر.. رغم أن هذا الدعم لا يتم تسجيله في الدفاتر أحيانا.
وتتوقع وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ»الجزيرة» أن حجم الدعم الحكومي المقدم بالسوق السعودي يمثل 7-8 أضعاف حجم الدعم المباشر المقدم في طي الميزانية الحكومية، وحيث إن هذا الدعم يصل إلى حوالي 47.5 مليار ريال، فإننا نتوقع أن يصل 350 مليار ريال، منها 47.5 مليار ريال إعانات مباشرة، ونحو 250 مليار ريال كدعم مباشر لطاقة الطاقة والكهرباء، وما يناهز 50 مليار ريال كدعم حكومي للسلع والمنتجات المستوردة والمصنعة محليا في سياق منظومة الدعم والمساندة المحلية من وزارة التجارة أو الاقتصاد أو المالية أو غيرها.
ارتفاع أعداد غير السعوديين يوجب التقنين
عدد غير السعوديين حتى تعداد 1992م كان لا يتجاوز حوالي 5 ملايين نسمة، إلا إنه خلال السنوات الأخيرة بدأت أعداد غير السعوديين تتزايد حتى سجلت مؤخرا حوالي 10.0 مليون نسمة، وهي زيادات كبيرة تستحق مراجعة منظومة الدعم الحكومي للتقنين والفصل بين الدعم المقدم للسوق المحلي عموما، والدعم الذي يستهدف المستهلك المواطن.
ترقب منظومة جديدة للدعم الذكي
بدأ الحديث يثار حول ترقب صدور لنظام البطاقات التموينية الذكية التي تستهدف تقديم وضمان وصول الدعم الحكومي للمستهلك المواطن، للسلع الأساسية والضرورية للمواطن.. عزلا عن التاجر الذي يحصل على أرباحه الطبيعية، وأيضا عزلا عن الوافد الذي يحصل على حقوقه كما أقرتها عقوده.. فكيف سيكون شكلها وترتيبها؟