لم يلبث أن وجد رمال الساحل تداعب قدميه، وتغري يديه للعبث بها، وتنسيه نصائح أمه بالمحافظة على نظافة ملابسه، وتُذكره بآماله التي أخذ يرسمها على رمال عاندت أصابعه في مطلع الأمر، لكنه أخضعها لسلطة يديه، وشرع يقيم جدران، ويخرق نوافذ، ويشق ممرات، وينثر في جنباتها الأصداف البديعة، ويحفر منبتاً لزهورٍ ستُجمّل دنيا الغد، وتضمد جراح الأمس؛ فبنى قصراً جميلاً هو سيده ! لا مكان فيه لأخيه «عادل» وطلباته التي لا تموت، ولا لابن جارهم «حسن» وغبائه، وإنما سيكون قصراً هادئاً يحيا فيه بسلام، يملأ أيامه بالآمال التي سرقها الكبار منه؛ ويهنأ حلمه الذي سيرسم لوحته مع صديقه «ماجد».
لم يفطن إلى الشمس التي ودعت سماء بلدته، حتى ارتسم وجه القمر على أمواج البحر؛ فوقف مذعوراً وجرى صوب منزلهم، وتحذيرات أمه التي اقتحمها تتداعى في نفسه، وتضطرم في جوانحه، تاركاً خلفه قصره المنيف؛ ليحرسه القمر وقد كان حارساً أميناً، ولكن ما إن تنفس الصبح حتى هاجمت أمواج البحر ذلكم القصر، ولم ترفق به وبحلم تلك النفس الجموح, بل سقته أجاجاً، وتركت القصر أطلالا.
- هيفاء العقيل