كتب - عبدالله الهاجري:
في لحظات تأمل، نستطلع الساحة الفنية السعودية ونراجع مكامن القوة فيها أو الخطأ، ليس سراً هذا التصريح بأن ما يحدث حالياً في الساحة مجرد عبث غنائي وفني، فذاك المغني مهتماً بجمع المال على حساب تاريخه وأصالته, وهذا الشاعر أو الملحن ليست لديه مشكلات في ضخ المزيد من المال لتحقيق جماهيريته وانتشار اسمه، وبالطبع فالجمهور هو الخاسر الأكبر من هذا العبث، وبالتأكيد سأستثني بعض الأعمال وليس الفنانين، بعض تلك الأعمال تأتي أحيانا كفارة للغثاء الذي نعيشه، على الأقل لدينا فناً أصيلاً وإن كان مزاجي، لكنه موجود.
ما جعلني متشائم لحد اليأس من وضعنا الحالي هي بسبب كثرة الأعمال والتي نستمع إليها بين الحين والحين، فمطربينا نشطاء جداً في أغاني السنقل، يرحبون بأي نص وبأي لحن، دام الاستفادة المادية موجودة، فأهلاً بالمزيد، كان أملي أن يعيد الفنان السعودي الهيبة والاحترام للأغنية وبأن التوقف السابق لبعضهم بسبب الأحداث العربية هي بداية التصحيح لمرحلة غنائية نقية قادمة، كنت أتوقع تنازل العديد منهم في الأغاني السنقل، وفي عدد الأعمال التي سيضمها ألبوماتهم القادمة، عجزنا في الوصول ما بين 15-18 أغنية في الألبوم الواحد، لينسف الفنان رابح صقر كل تلك التوقعات، بل ويعلن عن طرح ما يقارب من 38 أغنية دفعة واحدة.
كان رابح صقر قد أعلن ذلك في غير مناسبة حضرتها، وكان يؤكد لي قبل السنتين بأنه ينوي طرح حوالي 30 أغنية في ألبومين، لم آخذ كلامه من باب الجد وفي نفس الوقت كنت متوقع حدوثه، كان عندي أمل أن لا يذهب رابح بكلامه هذا ويحققه، ليس تقليلاً في إمكانيات الصقر الموسيقية أو الفنية، ولكن هذا الرقم مهول جداً، فالمستمع لم يعد بذلك القادر على الاستماع لستة أعمال في وقت واحد، والساحة كذلك ليست مهيأة للترحيب بهذا الكم، والأهم بأن وضعنا الغنائي هذه الفترة مصابة بالكثير من الإحباط.
يبدو أن رابح صقر كان بالفعل يخطط لهذه الخطوة، أقدم عليها، وانتهى كل شيء، الألبومات منتصف مارس بــ 30 عملاً إلى جانب ثمانية أعمال ستكون موجودة للبيع على الآيتونز، أعلم إمكانيات الصقر الموسيقية، وبأنه موسيقار بارع ويملك حس موسيقي عالٍ جداً، بل ويعتبر واحداً من أهم المحدثين للأغنية السعودية، انعكست بذلك على حضوره المسرحي الطاغي وعلى أعماله وعلى جماهيريته، وأصبح بذلك المطلوب رقم واحد في إحياء الحفلات الغنائية بسبب انتشاره الواسع، وبالطبع فتلك الفلسفة الفنية التي يملكها رابح، جعلته واحدا من كبار القوم في الأغنية السعودية وصاحب حضور.
ولسبب مميزات رابح الموسيقية والتي يمتاز دون سواه من الفنانين، فإن جديده «أوجِّه المعنى» سيكون مميزا، على الأقل نصف ما سيطرحه، ولكن المآخذ الوحيد هي الكم الموجود في عددها وبذلك يسجل رابح صقر اسمه عالميا بطرح 38 أغنية في وقت واحد، دون النظر إلى أبعاد هذه الخطوة.
لن يتجرأ أي فنان كما فعل رابح ويطرح هذا الكم، على الأقل هذا مطمئن لنا كمتابعين للساحة, لأنهم لا يملكون ميزات رابح الموسيقية والفكرية، ولا يملكون القدرة في المجازفة، لأن الساحة متغيرة، والمستمع «ملول»، والأفكار متجددة، سواء الشعرية أو اللحنية، لكن العتب على رابح بأن يجعل من هذه الخطوة صعبة جداً على الجمهور وعلى المستمعين، البعض لا يملك النفس الطويل في سماع هذا العدد الكبير من الأعمال، وحتى من جمهوره، سيأتي أحدهم ويقول نملك الوقت لسماعها، وهذا يعود له فقط، وليس الجميع، رابح بهذه الخطوة سيظلم ما لا يقل عن نصف ما سيطرح من أغاني، وليس له طريقة من خدمتها إلا عن طريق الحفلات الغنائية بدون أن يشاركه أحد، وهذا صعب جداً على رابح كونه لا يستطيع أن يشيل حفلة غنائية لوحده, ولهذا قد يستغرق رابح ما لا يقل عن سنتين للعمل على خدمة «أوجِّه المعنى» بالتغني بها في جميع حفلاته والتي يشارك فيها - طبعا الحفلات الجماهيرية المصورة تلفزيونياً -، وعلى رابح أن يتحمل السنتين القادمة لانتشار الــ 38 أغنية، وبهذا فعليه التوقف حالاً عن تسجيل أي أغنية سنقل، وللعامين القادمة.
بالطبع لست مع خطوة رابح صقر، لأنه الأول من الذين سيتعبون ويجتهدون لانتشارها - وإن كلن هذا دوره -، ورابح ليس بذلك الفنان الذي توقف خلال السبع السنوات السابقة، فهو يشارك في أغلب الحفلات الجماهيرية الخليجية، وكذلك في حفلات الفنادق صيفاً في الدول الأوروبية، وهو نشيط في تسجيل أعمال السنقل، بل وخلال السبع سنوات كان قد طرح بعض الألبومات الغنائية، باختصار رابح لم يكن في حاجة حقيقية لهذا التهور.
هل علم رابح صقر قبل التفكير في هذه الخطوة بأن الساحة ليست له وحده، وبأن الجميع لهم أحقية طرح أعمالهم في الوقت الذي يريدون، هل كان رابح يضمن بأن شركة روتانا مثلا وهي الشركة المنتجة لهذا العمل ستترك الساحة له على الأقل ستة أشهر دون أن تطرح أي شيء للفنانين، وحتى وأن وثق بها، فهناك شركات أخرى وهناك فنانين يعملون على إرضاء جمهوره والتواصل معهم بالجديد بين وقت وآخر، ماذا لو طرح فنان العرب محمد عبده مثلاً ألبوم شعبيات خلال الشهرين القادمة، أو فكر عبدالمجيد عبدالله في طرح ميني ألبوم، أو أن راشد الماجد سيفاجأ الساحة بألبوم ثقيل، كيف سيكون وقتها رابح صقر وجهد الـ 38 أغنية.
أنا هنا فقط لأؤكد على فنانينا بأهمية دراسة السوق والتفكير جديا في وضع الساحة، والتفكير بعمق في إشباع رغبات الجمهور والمستمعين الراغبين العودة بقوة للطرب السعودي الحقيقي.
بقيت الإشارة إلى أن «أوجِّه المعنى» للفنان رابح صقر سيطرح الأسبوع القادم بألبومين تصم 30 عملاً، وثمانية أعمال ستكون على الآيتونز متاحة للأجهزة الذكية، وسيكون هناك دويتو لفنان العرب محمد عبده مع رابح صقر في هذه العمل، ويتضح أن هناك سبعة ملحنين فقط سيتناوبون على تلحين هذه الأعمال بعضهم يلحن عمل واحد فقط، فيما سيقوم رابح صقر بتلحين 14 عملا والملحن سهم نفس العدد، فيما سيتقاسم خمسة ملحنين تلحين الأعمال العشرة المتبقية كالْملحن عبدالله المناعي والفنان بندر سعد وغيرهم، وفي الأسماء الشعرية هناك تنوع جميل في تواجد الشعراء لعل منهم عودة الشاعر عبدالرحمن بن مساعد والشعراء ساري وتركي المشيقح وفهد المساعد وعبدالله ابو راس وقوس والعالية وفيصل السديري وعبدالله الأسمري وغيرهم من الشعراء.