د. محمد عبدالله العوين
ما كاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يستلم مقاليد الحكم بعد وفاة المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ حتى شرع في إعادة ترتيب جهاز الحكومة، وإعادة تشكيل ملامح الدولة في العهد الجديد بما يتواءم وضرورات التغيير وإلحاح الطموح إلى مستوى جديد متفوق من الأداء في الوزارات والمؤسسات الحكومية.
ولم تستغرق عملية التغيير الفاصلة المهمة تلك إلا أياماً معدودة، وبعضها ساعات محدودة؛ نظراً لأهمية البدء السريع في انطلاق الخطوة العملية الأولى، وليس هذا إلا انسجاماً مع شخصية الملك سلمان المتصفة بالدقة والإنجاز السريع وعدم تأجيل ما يجب عمله؛ ولكن هما آخر لم يغب عن تفكير خادم الحرمين الشريفين وهو الهم العربي والإسلامي، وما تعانيه المنطقة من حالة غليان وتأزم، وما يهددها من أخطار التفكك والانهيار وسقوط الدول وضياع الشعوب تحت وطأة النزاعات الطائفية والقبلية وتغول الجماعات التكفيرية الإرهابية في البطش والإجرام وسفك الدماء والسلب والنهب والاغتصاب وإهدار مصالح البلاد والعباد تحت راية دينية كاذبة وشعارات إسلامية مزيفة، يلهث خلفها السذج والمغفلون وناقصو العلم والمعرفة والموتورون والمأزومون، ويسيرهم قادة مختفون منحرفون عقيدة وخلقاً أو عملاء مستقطبون لخدمة أجندات أجنبية تحت أوهام خدمة الإسلام والجهاد في سبيل الله وإقامة الخلافة المزعومة؛ لكي ينجذب إليهم ذوو العاطفة الإسلامية بعلم أو بجهل ويستخدموا استخداماً غبياً؛ لتحقيق الأغراض والغايات المخبوءة التي تخفى عن السذج وتغيب عن الجهلة المندفعين.
ولا شك أن الأوضاع السياسية والأمنية التي تعيشها بلدان ما سمي كذباً بـ»الربيع العربي»-وهو ليس إلا خريفاً ملتهباً يأكل الأخضر-؛ هم كبير من الهموم الدينية والقومية التي تقلق الملك سلمان؛ فلم يتأخر يوماً واحداً بعد أن أعاد ترتيب جهاز الحكومة إلا وابتدأ في إجراء محادثات متعددة موسعة مع أمراء وملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية؛ فقد استقبل -حفظه الله- الأسبوع الماضي أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، ثم ولي عهد أبي ظبي وزير الدفاع الشيخ محمد بن زايد، ثم أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، ثم استقبل ملك الأردن عبدالله بن الحسين، ومن المقرر أن يصل إلى الرياض اليوم السبت رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، وسيصل غداً الأحد رئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي.
وهكذا أصبحت الرياض ورشة عمل سياسية كبرى، وغدا قصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان محفلاً عربياً وإسلامياً يجمع قيادات العرب والمسلمين بلا كلل ولا ملل وخلال أيام متوالية وبخطى حثيثة متسارعة؛ لمعالجة أوضار الأمة وتطبيب جراحها والخروج بها إلى بر الأمان.
تضع الرياض عواصم العالم العربي والإسلامي -وعلى الأخص تلك التي تقع على حافة النار الإرهابية أو قريبة منها- أمام ما يمكن أن يحدث في حالة استمرار وجود اختلافات في أساليب المواجهة أو تراخ أو ضعف في إدراك ما يمكن أن يصل إليه التغول الإرهابي في المنطقة وما يمكن أن يحدثه من تدمير وتخريب وتعطيل للتنمية وللحياة.
ويسعى الملك سلمان بما أوتي من حكمة وفطنة ودهاء وبما اكتسبه من خبرات سياسية عريقة هي ثمرات الطلب والتلقي قي بيت الحكم السعودي الأصيل؛ يسعى إلى تنقية الأجواء وإزالة التباين في وجهات النظر، وتوحيد الجهود السياسة والدفاعية والفكرية؛ لتشترك جميعها في مواجهة الخطر الإرهابي الداهم، والوقوف أمام ما يدبر من مخططات لتفكيك وتفتيت بنى الدول العربية وإشغالها بالفتن والثورات؛ لكي تضعف شوكتها وتدمر مقدراتها ويسهل تقسيمها إلى دويلات ضعيفة صغيرة بائسة.
الرياض اليوم هي عاصمة صناعة القرار العربي والإسلامي، تتعلق عليها آمال الأمة، ومنها ستتشكل وحدة الموقف العربي الإسلامي كتكتل واحد قوي يواجه تكتلاً إرهابياً آخر مدعوماً ومسنوداً بقوى إقليمية ودولية. الرياض هي أمل الأمة المنقذ قبل أن يبتلع المنطقة الطوفان.