لبنى الخميس
إنه عصر «السناب شات»! التطبيق الاجتماعي الأكثر نموّا ًفي منطقة الخليج، والذي يتيح لمستخدميه فرصة مشاركة أصدقائهم ومتابعيهم فيديو من 10 ثوانٍ كحد أقصى. التطبيق قدّم كغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، نجوماً جدداً على الساحة من السعودية وغيرها من دول المنطقة، لكن الأكثر تميزاً وإبهاراً برأيي، كان الشيخ ماجد بن جابر الصباح، الذي كدت أُسقط كلمة شيخ من مقدمة اسمه سهواً، ربما لأنه آثر تقديم نفسه كماجد (الإنسان)، بعيداً عن أي ألقاب أو امتيازات «أميريّة» أخرى.. إذ بدأ مسيرته في دهاليز سناب شات ومن قبله الانستغرام، عبر مشاركة متابعيه يومياته بحركاتها وسكناتها، دون أي خطة واضحة ودقيقة لكيفية تقديم نفسه إلى الجمهور، وتميزه عن أقرانه في «السوشل ميديا» الذين كانوا ومازالوا يمارسون هذراً فارغاً، وهذياناً أجوفاً لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يكرّس لفكرة أن مواقع التواصل الاجتماعي هي المرادف الأقرب، للسطحية والفراغ واللاجدوى.
ويبدو أن ابن الصباح أدرك هذه الفراغ، واستشعر هذه الفرصة المتخفّية بين جنباته، فأعاد ترتيب أوراقه وخططه، ليخرج علينا بحلّة جديدة وفريدة من نوعها، عبر تقديم وجبة معلومات يوميّة ذات وقع خفيف وجذّاب على مسامع متابعيه، فتجده يتحدث تارة عن تاريخ «الوافلز والاومليت والتيشز كيك» وتارةً يأخذك معه عبر عدسته الفريدة إلى نيويورك وميلانو وأخيراً الهند، دون أن يبخل عليك بمعلومات ثرية، تتعلق بكافة تفاصيل المكان حوله، ابتداء بتكلفة المطار، وصولاً إلى عدد السكان، وانتهاء بسرد معلومات قيّمة حول المواقع السياحية الأبرز في المدينة، وأشهى المطاعم، وأعرق المحلات المختبئة في الأزقة الضيقة، دون أن ينسى المرور على تاريخنا الإسلامي وموروثنا العربي، عبر تناول إعجاز سورة يوسف والتين، وتعريف الناس ببحور الشعر العربي.
يأتي ذلك النجاح والتميز وسط حالة فراغ مخيف لوجود قدوة في مخيلة وواقع الأجيال الخليجية، التي تتلفت حولها باحثةً عن شخصية تعتز بها، وتنظر إليها بإعجاب، فلا تجد سوى نماذج عالمية رائعة ومنّجزة لكنها لا تشبهها، ولم تخرج من رحم واقعها ومحيطها، أو أسماء خليجية ذات فكر ينبض بالسطحية والتفاهة، كإحدى نجمات «السناب شات» الكويتيات، اللاتي يحظين بشعبية واسعة بين أوساط المراهقين على وجه التحديد، حين تردد بشكل شبه يومي بأنها في رحلة بحث مستميتة لاصطياد «أبو بندر» المسمى الرمزي للرجل الخليجي الثريّ، وتدعو صديقاتها أمام الملأ، وعلى مسامع عشرات الآلاف من المراهقين والأطفال، للخروج إلى أحد المراكز التجارية في «الويكيند» لتمارس هوايتها المفضلة وهي «الحشّ» و»القزّ» والبحث عن أبو «بندر» دون أن تعلم بأنها تمرر رسائل أقل ما يقال عنها أنها «لا أخلاقية» في مجتمع خليجي يعرف عنه المحافظة والالتزام، وتكرّس حتى وإن كان في سياق الدعابة والمزاح، لثقافة عوجاء تحتفي بالمظهر على حساب الجوهر، وتعزّز لفكرة أن الثراء هو الغاية لا الوسيلة، وتؤكد بأن جلسات «الحشّ» والنميمة الفارغة هي هواية نسائية ممتعة و»كول»! دون أدنى مراعاة لجيل كامل بات يحيا في مزاج وفكر متخبط، وغير قادر على اقتفاء أثر شخصية تتناسب مع روح العصر، وتتمتع بحد أدنى من الأخلاق والقيم الراقية.
احتفاء المجتمعات الإنسانية بالتفاهة، لا ينحصر في الخليج فقط، فالمجتمع الأمريكي الاستهلاكي احتفى سابقاً «بكيم كارداشيان» وغيرها من نجمات ونجوم برامج تلفزيون الواقع، ولكن الفرق هو أن الساحة الأمريكية مليئة بالشخصيات الجذابة والناجحة، والتي تتميز بنشاطها على مواقع التواصل، وتميزها في مناحي الحياة الأخرى، سواء بالتمثيل أو الأزياء أو الإعلام أو حتى الكتابة، لكن ساحتنا لازلت تعاني من شحّ وافتقار شديد للتنوع في القدوات والرموز، ما يجعل بروز ماجد الصباح ظاهرة صحية ونوّعية، نظير ما يقدمه من طرح مختلف، وفكر مستنير، ورسالة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية وإنسانية، وإن كانت في قالب جديد وعصري «كسناب شات».