جارالله الحميد
ماذا فعل المثقفون إزاء هذه الحرب التي تجتاح العالم؟!. ولماذا صمتوا وأين ذهبوا؟!. إن ذرائع المثقفين (وبعضها مقبول!) تمس فيما تمسّ حرية الكلام ومنها اشتقت حرية التعبير. وفي هذه قولان!.
إن لم تكن عدة أقوال. فمن القولين الأولين نرى أن القول الذي يريد منح حرية الكلام دون حدود. عليه كثير من التحفظ. فمن أسس حرية الكلام ضمان عدم إساءته للآخرين. أي متلقي حرية الكلام.
ومثالياً فإنني - ككاتب - من المطالبين بحرية الكلام وفي كل الظروف ولكنني أعرف - لمجرد الخبرة - أن مزيداً من حرية الكلام ستسمح لممتهني القتل المنتشرين مثل الوباء والذين ينتشرون في غفلة من التاريخ الثقافي للأمة أن يظهروا في كل وسيلة إعلامية ممكنة ليبرّروا عملية الذبح - وقد أطلق كلمة الذبح بديلاً عن القتل داعشي يقال إنه تائب - وهي بكل المقاييس عملية مرفوضة لأنها ضد مبدأ اختيار الله للحياة! فالله غلّظ عقوبة القاتل معنوياً، إذ ساواه بالذي يقتل الناس جميعاً. قارن إذنْ. والحياة التي يرضاها الله تختلف وتتناقض مع (الموت) الذي يعتبر نهاية. وكل النهايات سيئة! وقد تمر على الإنسان ظروف تجعله يتمنى الموت. ولكنّ هذه أمنية مبالغ بها. كما تصادف حيناً أن المثقفين منصرفون عن المواضيع التي تناقش في تفاصيل الحياة وهذا خطأ لا يغتفر! إن جزءاً من تركيبة المثقف يعود تكوينه إلى مجتمعه الذي عليه أن يثبت ولاءه له. فالمجتمع عندما ينخره السلبيون واللا مبالون يصبح قاب قوسين أو أدنى من التفكك. وتنهزم فيه الثقافة الجماعية والضمير الوطني. ويصبح نهباً لهواة الصراع على السلطة. وهؤلاء لا يُعدّون. فمنهم المهووسون بالسلطة منذ ولادتهم! وهذا يكفي لعدم تعداد المهووسين لأسباب أخرى!
إن الثقافة العربية نالت منها العوامل السياسية في المنطقة أيما نيل! لكن هذا لا يبرر صمت المثقفين عن هذه الحرب و ما سواها من حروب مساندة كحرب (التسطيح). وهذه حرب تخوضها ببسالة قنوات تلفزيونية معروفة. وتحت شعارات كالانفتاح على الآخر، والتعارف، والتعاطي الحرّ مع المجتمعات! إلخ هذه المنظومة من الشعارات. وربما نجد المعذرة للمثقفين العرب إن كان في نيتهم قراءة الموضوع على مهل لحين وضوح الرؤية.
كان الغربيون يعتقدون في معظم فترات العصور الوسطى أن (الإسلام) دين شيطاني يتضمن: الردّة والتجديف والغموض. لم يكن يعنيهم بأن المسلمين يعتبرون ويؤمنون بأن - محمداً - نبي! لا: إلهاً!. وهؤلاء المتطرفون سيساهمون في تكريس هذه الرؤية. مع أنني أؤمن - بإذن الله- بهزيمتهم. بسبب تراكمات تاريخية تؤكّد دوماً أن الإسلام ينهض من كبواته وهو: أقوى! وهذا يسكن الذاكرة الأوروبية منذ كان الإسلام ليس مقتصراً على كونه ديانة. فها هو ممتد من الصين إلى أوروبا. وهو اليوم مع أنه مصاب في فهم تابعين له لم ينكسر. إن موقع الشرق الإسلامي ذو أهمية واضحة إما بسبب موارده أو بسبب موقعه الجغرافي. ولهذا فأنا لا أستبعد مؤامرة خارجية وراء نشوء داعش والداعشيين. قد تكون المؤامرة متمثلة في عجز إدارات العالم الغربي التي تسيطر على أزقة المدن العربية بسبب إعطائها تسهيلات من الذين دخلوا من بوابات هذه المدن!
كل هذا لن يكون أهم ما في هذه المقالة. لأن ما يهم الكاتب هو أن تصل رسالته إلى القارئ. فلو افترضنا أنني (نبيل) بحيث أن ما يهمني هو حضور القارئ فإن من شروط عملي أن يكون هذا الحضور فعَّالاً. أن نبقيه في ذاكراتنا. لكي يصبح شهادة غير قابلة للنسيان. وأعرف أن سؤالي (أين ذهب كل المثقفين) يعود إلى جبلّة تكويني اللغوي والمعرفي. وأن الهدف منه غير إحصائي! لأنني ألمس كغيري خطوات لإصلاح المسار. و لكنني أرى أن هذه الخطوات بحاجة إلى تفعيل ثم إلى ما يوازي أهميتها من تجييش إعلامي.
إن الحل بيدنا إذن!
أن نجعل الغرب يشعر بالخوف المضاعف. فهو بطبيعته يخاف الإسلام. وذلك أنه يجد في ذكرياته عن الإسلام تفوقاً واضحاً للعقل الإسلامي الحضاري والمتمكن من احتواء جميع أسئلة القلق!