جاسر عبد العزيز الجاسر
على الرغم من كل الخلافات بين مصر وتركيا التي وصلت إلى مستوى لم يعد يحتمل بين بلدين إسلاميين مهمين، إلا أنه ليس بمستغرب ولا توجد صعوبة في عودة العلاقات بين البلدين إلى مستوى معقول كما هو سائد بين الدول.
نعلم أن المصريين وليس القيادة المصرية فقط، مستاءون من تعليقات ومواقف الرئيس التركي رجب أردوغان، إذ إن المصريين يعتبرون ما حدث في 30 يونيو ثورة أو في أحسن الأحوال تغييراً إيجابياً ترجم رغبة شعبية، وبغض النظر في توصيف القيادة التركية بأن ما جرى انقلاب، لأنهم فقدوا فصيلاً سياسياً هم الإخوان المسلمون الذين كانوا يحكمون مصر، فإن ذلك لا يجب أن يغير في الأمر شيئاً، فالتغيير حصل في مصر والإرادة مصرية والشعب هو من أراد ونفذ التغيير، والتعامل بين الدول يجب ألا يخضع للعواطف والارتباط الحزبي، فللدول مصالح ولعلاقاتها ضوابط ولا يجب التمترس خلف مواقف ملزمة، خاصة أن المصلحة العامة لكلا البلدين تتعارض مع ما تشهده العلاقة بين أنقرة والقاهرة.
المصريون والعرب في أغلبهم يتعاطفون مع مصر، إذ لا يجب أن يفرض أحد رأيه على المصريين، فالشعب المصري وحده له الحق في أن يطلب من قيادته السير في مسار سياسي أو اقتصادي وحتى اجتماعي محدد، أما أن يأتي من الخارج فلا يمكن أن يقبله شعب ما حتى وإن كان ذلك الشعب شقيقاً أو جاراً، ومع أن العلاقات ليست بذات السوء الذي تصوّره وسائل الإعلام، إلا أنه يؤخذ على هذه الوسائل تعاملها المتشنج الذي أسهمت في تأجيجه بدلاً من تبريد الخلافات، ومع هذا فإن المتابعين لما يجري في الخلافات ما بين تركيا ومصر لاحظوا وبكثير من التقدير ترفع وتجنب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن الرد على الملاحظات وحتى التجاوزات التي صدرت عن الرئيس التركي رجب أردوغان، وهي سمة وميزة تجعل المرء أو أي طرف ثالث ينوي تفكيك الخلاف بين البلدين، إلا أنه وإذ كانت المعطيات ترجح تعالي مصر على كل ما تعرضت له من إساءات وحتى مضايقات، وأنها قد تغلّب المصلحة القومية والإستراتيجية وتميل إلى الاتجاه الذي بدأته المملكة العربية السعودية للتفاهم مع تركيا في مواجهة التحديات الطائفية في المنطقة العربية، إلا أنه وفي المقابل يجب ويفترض ألا تحرج القيادة المصرية بإصرار الطرف الآخر بتبني مواقف وآراء فصيل سياسي، مهما كانت آراء ذلك الفصيل من أيديولوجية الفريق الحاكم في تركيا، فالعلاقات بين الدول تبنى على مصالح الدول وليس على مصالح الأحزاب والفصائل السياسية، والمصلحة الإسلامية في المرحلة الحالية تتطلب صياغة موقف استراتيجي إن لم يكن موحداً فهو متقارب بين المملكة ومصر وتركيا، وعلى أطراف هذا المثلث الاستراتيجي أن يتجاوزوا عما مضى من أجل صياغة حالة مستقبلية أفضل كما فرض علينا في المنطقة الإسلامية.