محمد آل الشيخ
ليست مشكلة اليمن هي فقط في الحوثيين وعمالتهم المفضوحة لملالي إيران، وإنما - أيضاً - في الرئيس المخلوع «علي عبدالله صالح» ورموز النظام السابق، حين تمكنوا من الخروج بسرقاتهم وأموالهم الطائلة من السلطة، والإفلات من المحاسبة والمقاضاة والعقاب.
وكانت لجنة من هيئة الأمم المتحدة قد قدرت ثروة الرئيس المخلوع بما بين ثلاثين إلى ستين مليار دولار، كما جاء في الأنباء الواردة من نيويورك أخيراً. ومن يملك هذه المبالغ الخرافية في دولة مثل اليمن، شعبها يتضور جوعاً، ويعاني من البطالة والفقر، ناهيك عن التخلف الاقتصادي، سيكون بإمكانه وبسهولة متى ما وجد فرصة سانحة أن يُجند الآلاف من أبناء القبائل، ويحرض الميليشيات، ويشتري الذمم، ويبذل من الرشاوي ما يستطيع، ليعود ثانية إلى السلطة بأية طريقة أو حيلة، أو على الأقل يضع العقبات في طريق من أتى بعده، وهذا ما حدث، حين وظف عملاء إيران الحوثيين، واستغل بدناءة مليشاياتهم، فاشتركوا سوية في الهجوم على صنعاء، واحتلالها، وقلب نظام الحكم، وتخريب الحوار بين الفرقاء، والهجوم على القصر الرئاسي، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي»عبدربه منصور هادي» وحكومته بقوة السلاح.
كان من الواضح أن صالح ومعه الحوثيون كانوا من خلال الانقلاب واحتلال صنعاء، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس والحكومة، يريدون فرض الأمر الواقع، وخلط أوراق المتحاورين لمصلحتهم، غير أن تمكن الرئيس «عبد ربه منصور هادي» الإفلات من الإقامة الجبرية، والسفر إلى (عدن)، والإقامة فيها كعاصمة بديلة، أفسد مرامي صالح والحوثيين، ونقل السلطة الشرعية ومن يمثلها إلى جغرافيا ليس لهم فيها قدرة السيطرة على مجرياتها، كما في صنعاء، ما جعل فكرة (فرض الأمر الواقع) التي انتهجها الانقلابيون في صنعاء تؤول بالفشل.
وفي تقديري أن الرئيس صالح -وهو الذي أمضى في السلطة قرابة ثلاثة عقود، ويعرف كيف يلعب بأوراقها، خارجياً وداخلياً- لن يقدم على هذه الخطوة الانقلابية، على مرأى من العالم والأمم المتحدة إلا وقد أخذ ضوءاً أخضر من الأمريكيين، أو على الأقل أحاطهم علماً بها، وفهم أنهم سيكونون على الحياد عملياً، حتى وإن نددوا في العلن، والأمريكيون - كالعادة - يتغاضون عن بعض الأمور، أو أنهم يتركون الأمور تجري في أعنتها ثم يجيرونها إلى مصلحتهم، كما فعلوا في كثير من المناطق الملتهبة في العالم. ويبدو أنهم أرادوا من صالح والحوثيين الاصطدام بالقاعدة في اليمن، وإنهاكها، لأن ذلك سيصب في مصلحة صراعهم الإستراتيجي مع عناصرها.
أما إذا فشل الانقلاب، ولم يستطع الانقلابيون فرض الأمر الواقع، فإن الأمريكيين سيعودون ويناصرون الشرعية، ويتموضعون معها بما يخدم مصالحهم مرة أخرى.
وهذا هو أقرب ما يستطيع المراقب فهمه من سلبيتهم غير المبررة تجاه الانقلابيين، وعدم نقل سفارتهم إلى مدينة عدن، حيث الشرعية، وحيث يقيم الرئيس الشرعي.
فالإمريكيون من عادتهم ألا يضعون بيضهم في سلة واحدة، ودعك من ادعاءاتهم مناصرة الشرعية، والوقوف في وجه الانقلابيين، فخطابهم في العلن ليس بالضرورة أن يتطابق مع ما يديرونه خلف الكواليس.
فشل صالح والحوثيين، وانتقال الشرعية إلى عدن، ونقل سفارات المملكة ودول الخليج إليها، وكذلك بعض الدول الأوروبية الفاعلة، سيكرس فشل سياسة فرض الأمر الواقع التي أرادها الانقلابيون، وتغاضى عنها الأمريكيون. ومن مصلحة المملكة ودول الخليج تكريس فشلها بكل الوسائل المتاحة، لأن في ذلك إفشال للتسرب الإيراني إلى جنوب الجزيرة، وإشعال حرائق جديدة في هذا الجزء من العالم العربي، يقايضون بها في أية تسوية مستقبلية في المنطقة.
أما الأمريكيون فلهم أجندات وحسابات أخرى، ليس بالضرورة أنها تواكب مصالحنا، خاصة في عهد «أوباما» والديمقراطيين، الذين كادوا أن يمرروا اتفاقاً مع الإيرانيين يعرض أمن المنطقة للخطر، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، لولا تدخل الكونجرس الأمريكي وتضييق مساحة المناورة على أوباما أخيراً.
وهنا يجب ألا ننسى أن الديمقراطيين في أمريكا، وفي عهد الرئيس «كارتر» هم من مرروا الكهنوتية لتحكم إيران، من خلال «الخميني»، وتركوا حليفهم الشاه يسقط.
كما أن فشل الانقلابيين والحوثيين في فرض الأمر الواقع، وإفلات الشرعية منهم، يجب ألا ينسينا دور صالح المشبوه في هذه العملية الدنيئة؛ وفي رأيي أن هذا الرجل الذي لا يهمه مصالح بلاده، ويتحالف حتى مع أعدائها لتحقيق طموحه في العودة إلى السلطة، يجب المبادرة بملاحقته، وتجريمه، فبقاؤه بنفوذه وأمواله وشغفه للعودة إلى سدة حكم اليمن، سيجعله بمثابة الثقب الدائم الذي يتسلل من خلاله كل من أراد شراً باليمن، وبنا، بل وبالمنطقة برمتها.
إلى اللقاء.