حوار - عبدالله الدماس:
أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر الباحث السياسي ورئيس مركز الخليج للأبحاث أن ما يحدث في اليمن حالياً هو انقلاب فئوي طائفي ضد السلطة الشرعية المقبولة داخلياً والمعترف بها دولياً، كما أنه انقلاب على اتفاقية السلم والشراكة الذي وقعته جماعة الحوثي مع الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، وأن هذا السلوك الذي ضرب عرض الحائط بالشرعية وباختيار الشعب اليمني، وبالمبادرة الخليجية، وبموقف وإرادة المجتمع الدولي سوف يضع جماعة الحوثي في عزلة داخلية وخليجية ودولية. وقال الدكتور عبد العزيز بن صقر في حوار مع «الجزيرة» إذا تمسك الحوثيين بالسيطرة على صنعاء فعليهم تحمل نتيجة قيام دولة الجنوب العربي في جنوب اليمن، حيث أن وجود الرئيس عبد ربه منصور هادي في عدن سوف يوحد صفوف المعارضة الجنوبية التي تدعو لقيام دولتهم التي كانت موجودة قبل الوحدة. وحول موقف دول الخليج من الأزمة اليمنية أوضح الدكتور عبد العزيز بن صقر أن دول الخليج لا تضغط على اليمن بل تساعد دولة اليمن وشعبها لكونها دولة شقيقة وجارة وأمنها من أمن دول الخليج واستقرارها يهم كل دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك دول الخليج لا تضغط ولكن تساعد، وعلى الحوثيين الإدراك بأن حكم اليمن ليس بالأمر السهل، وأنه من دون الدعم الخليجي والعربي سيكونون في عزلة تامة، ولن يتمكنوا من إدارة الدولة أو حكمها. وفيما يلي نص الحوار:
* تشهد اليمن حالياً حالة عدم استقرار سياسي. فما هي الأسباب من وجهة نظركم التي أدت إلى وصوله إلى ذلك الحال؟
- هناك أسباب كثيرة تقف خلف ما يحدث في اليمن، وما تشهده حالياً الساحة اليمنية هو نتيجة لأسباب داخلية، وأخرى دولية وإقليمية كثيرة ومتراكمة، فعلى الصعيد الداخلي شهدت فترة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح التي استمرت لأكثر من 30 عاماً حالة ضعف في مؤسسات الدولة المهمة، وضعف التنمية وإهمالاً للوضع الاقتصادي والتنمية المجتمعية بقدر كبير ما أوجد دولة هشة تتجاذبها قوى مختلفة، منها القبائل، وتنظيم القاعدة الإرهابي الذي وجد بيئة مناسبة في هذا البلد، والحوثيون الذين أنهكوا الدولة اليمنية بست حروب قبل أن يستولوا على أجزاء كبيرة منها منذ سبتمبر الماضي، وقد أدى ذلك إلى فتح الباب أمام قوى داخلية، ودول إقليمية للصراع على الساحة اليمنية، وساعد على ذلك إهمال المجتمع الدولي لليمن.
* كيف تنظرون إلى خروج الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من صنعاء ووصوله إلى عدن وما الذي يمكن أن يترتب على ذلك؟
- الرئيس عبد ربه منصور هادي هو الرئيس الشرعي لليمن، ويحظى بتأييد دولي وعربي وخليجي، ومع ذلك وضعته جماعة الحوثي قيد الإقامة الجبرية مع أعضاء حكومته منذ الانقلاب غير الشرعي الذي قام به الحوثيون متجاوزين الشرعية الدستورية للرئيس هادي وكذلك المبادرة الخليجية، بل اتفاقية السلم والشراكة التي وقعها الرئيس هادي نفسه مع جماعة الحوثي، حيث عملت الأخيرة على ابتزاز هادي وإرغامه على توقيع قرارات ضد بنود اتفاق السلم والشراكة، وفي نهاية الأمر وضعته قيد الإقامة الجبرية. وفي قناعتي أنه مع خروج هادي من صنعاء ووصوله عدن سوف يجعله يمارس دوره الشرعي في إدارة الدولة اليمنية من عدن، وهذا سوف يفرض على المجتمع الدولي أن يتعامل معه كرئيس شرعي، وإذا تمسك الحوثيون بالسيطرة على صنعاء فعليهم تحمل نتيجة قيام دولة الجنوب العربي في جنوب اليمن، وفي اعتقادي أيضاً أن وجود الرئيس عبد ربه منصور هادي في عدن سوف يوحد صفوف المعارضة الجنوبية التي تدعو لقيام دولتهم التي كانت موجودة قبل الوحدة.
* هل ترون أن دول الخليج أهملت الملف اليمني في السنوات الأخيرة مما جعل الحوثيين يستغلون ذلك الوضع وخاصة بعد ثورة 2011م؟
- هذا السؤال فيه جزء من الحقيقة وليس كل الحقيقية، فدول مجلس التعاون الخليجي ساعدت اليمن كثيراً، والمملكة العربية السعودية تحملت الكثير من أجل مساعدة اليمن الشقيق اقتصادياً، وسياسياً، وأمنياً، وغير ذلك، لكن التقصير كان من جانب نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي حكم اليمن بطرق ملتوية وليس بأساليب إدارة الدولة العصرية الحديثة، فنظام صالح تعامل مع القوى الداخلية والإقليمية كافة لإطالة أمد بقائه في السلطة على حساب الشعب والدولة اليمنية، أما دول الخليج فلم تتخل عن الدولة اليمنية في أي فترة وتحت أي ظروف، ويكفي القول إن الدعم الخليجي لليمن تجده في المبادرة الخليجية التي أنهت حالة الصراع التي كانت موجودة في نهاية حكم علي عبد الله صالح والتي انقلبت عليها جماعة الحوثي وألغت العمل بالمبادرة وآلياتها، ومنذ عام 2011م، أصبحت التحديات متعددة في جميع أرجاء الوطن العربي، واليمن يمثل أحد هذه التحديات، لذلك فإن طاقة دول المجلس كانت موزعة على التعامل مع جميع التحديات.
* الرئيس المخلوع علي صالح كان له دور في دعمه للحوثيين حتى سقوط صنعاء، فهل تتوقعون بأن يتم إسقاط الحصانة عنه؟
- الرئيس السابق علي عبد الله صالح تعامل مع الحكم في اليمن بطريقة التوازنات والتحالفات المختلفة، وكما قال هو نفسه في برنامج متلفز «إن الحكم في اليمن مثل الرقص على رؤوس الثعابين»، وهو بالفعل حكم وفقاً لهذه النظرية، كما أنه - كما يتردد على نطاق واسع - أنه يقف خلف الحوثيين لأسباب عدة منها التخلص من خصومه القدامى، وبناء تحالف جديد مع القوى الصاعدة (جماعة الحوثي)، والاستمرار في الإمساك بأطراف اللعبة من خلال سيطرته على حزب المؤتمر الشعبي، وعناصر الحرس الجمهوري وعناصر من القوات المسلحة.
أما عن رفع الحصانة عنه فقد سبق لمجلس الأمن الدولي أن طالب بذلك، بل طالبه بالخروج من اليمن، وهذه المطالب الأممية هي التي جعلت علي عبد الله صالح يدعم الحوثيين للتخلص من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وإذا تورط علي صالح بالأدلة أنه يقف خلف المشهد الحالي فمن العدالة محاكمته طبقاً للقانون في مثل هذه القضايا.
* العقوبات الدولية على بعض الأطراف المعرقلين للعملية السياسية في اليمن غير مجدية ولم يتم الاهتمام بها من قبل تلك الأطراف، فهل يجب على مجلس الأمن إعادة صياغة تلك العقوبات بشكل أقوى وتطبيق فوري، وكيف يكون ذلك؟
- العقوبات على الأفراد في اليمن كانت انتقائية بشكل خطير، حيث تم استثناء زعيم المليشيات الحوثية عبد الملك الحوثي منها دون أي مبرر.
بشكل عام حتى الآن لم يتعامل مجلس الأمن أو الأمم المتحدة بجدية مع الوضع في اليمن، وحتى مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر قد يكون ساعد على تفاقم الأوضاع في اليمن أكثر من التوصل إلى حلول، ولقد طلبت دول مجلس التعاون الخليجي من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على الحوثيين تحت مظلة الفصل السابع، أي تبني فرض العقوبات بالقوة والتدخل العسكري في اليمن من قبل المجتمع الدولي لإزاحة هيمنة الحوثيين وعودة الشرعية، وهذا ما تطلبه دول الخليج في ظل التعنت الحوثي غير المسبوق من أقلية تريد فرض هيمنتها على الأكثرية وتطيح بنظام شرعي لحساب حكم طائفي فئوي.
* لا يخفى على أحد بأن إيران هي المحرك الخفي والداعم الأول للحوثيين في اليمن، فماذا يعني وجود حزب موالٍ لها في اليمن؟
- هذا مؤشر على نجاح سياسة إيران التوسعية والتدخلية، وإشارة على الفشل الإقليمي في التعامل الحاسم مع التهديدات التي تمثلها سياسية إيران التوسعية.
إيران تحاول جاهدة على امتداد نفوذها إلى دول الجوار وخاصة الدول العربية والخليجية، فهي تخطط منذ فترة إلى التدخل في شئون الدول الأخرى وعبر بوابة الطائفية المذهبية، وهذا ما تفعله في اليمن من خلال جماعة الحوثي رغم أن المذاهب والطوائف كافة تعيش جنباً إلى جنب ومنذ القدم في دول المنطقة دون صراع أو حتى اختلاف، لكن إيران تريد أن تحول التعايش إلى تناحر بين أبناء المذاهب الإسلامية، وتريد أن تكون هي المرجعية الوحيدة لأتباع مذهب معين رغم أن القمة الإسلامية التي احتضنتها المملكة العربية السعودية منذ سنوات عدة أقرت بالقبول والتعايش بين المذاهب الإسلامية كافة، ويجب أن تراهن إيران على التعايش السلمي الدائم وليس النزاعات بين أبناء الدولة الواحدة وأتباع الدين الواحد؟.
* هل سنتوقع في الأيام القادمة تفاهمات خليجية إيرانية حول أوضاع المنطقة لكي يتم حلها نهائياً؟
- دول الخليج لم تغلق الباب مطلقاً أمام الحوار مع إيران، بل تسعى جاهدة إلى الحوار البناء الذي يؤدي إلى التعايش السلمي وحسن الجوار وبما يحفظ حقوق ومصالح وسيادة واستقلال دول المنطقة كافة، ولكن التعنت الإيراني هو الذي يعطل هذا الحوار وبما ينعكس سلباً على استقرار المنطقة، ونأمل أن تستجيب طهران للغة العقل وللحوار الذي يؤدي إلى تهدئة الأوضاع في منطقة الخليج وكل أرجاء المنطقة ويثبت سياسة الجوار الحسن بين كل الدول الإسلامية الشقيقة.
* مجلس الأمن أعلن قبل أيام عن قرار حول اليمن وضرورة قيام الحوثيين بتسليم مؤسسات الدولة وأمهلوا (15 يوماً) للرد، إلا أنهم ردوا على ذلك القرار بالرفض. فهل تتوقع أن تتخذ الأمم المتحدة العقاب تحت الفصل السابع؟
- نتمنى أن تستجيب جماعة الحوثي لمطالب المجتمع الدولي، ونتمنى ألا يضطر مجلس الأمن إلى استخدام القوة في اليمن هذا البلد الذي أنهكته الحروب الداخلية والصراعات القبلية والجماعات الإرهابية، ونأمل أن تستجيب هذه الجماعة إلى صوت العقل ولمطالب الشعب اليمني أولاً ثم لمطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى تجنب شعبها ويلات الصراعات والحروب الأهلية وبما يحفظ سلامة اليمن الشقيق ويحمي مقدراته التي بددتها الصراعات الداخلية.
* ما هي الأوراق التي يمكن لدول الخليج اتخاذها ورقة ضغط تجاه الحوثيين في اليمن حالياً؟
- دول الخليج لا تضغط على اليمن بل تساعد دولة اليمن وشعبها، نظراً لكونها دولة شقيقة وجارة وأمنها من أمن دول الخليج واستقرارها يهم دول مجلس التعاون الخليجي كافة، لذلك دول الخليج لا تضغط ولكن تساعد، وهذا ما نأمل تحقيقه في الفترة المقبلة. ولكن على الحوثيين الإدراك بأن حكم اليمن ليس بالأمر السهل، وأنه بدون الدعم الخليجي والعربي سيكونون في عزلة تامة، ولن يتمكنوا من إدارة الدولة أو حكمها.
* البعض يتخوف من وقوف روسيا مع الانقلابيين الحوثيين ضد صدور قرارات من مجلس الأمن تدينهم، ماذا عن ذلك؟
- بلا شك أن هناك حالة من الصراع الدولي على المنطقة العربية خاصة في حالة الفراغ التي خلفتها أحداث ما يسمى بالربيع العربي، الأمر الذي أعاد الصراع الروسي - الأمريكي يطل من جديد خاصة في المنطقة العربية، وما يحدث في سوريا واليمن يؤكد ذلك، لكن نريد ألا يخسر الروس دول وشعوب المنطقة في ظل الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وألا تتجدد الحرب الباردة على تراب الدول العربية، ومن الذكاء أن تتعامل موسكو مع المنطقة بما هو في صالح الشعوب وليس لتثبيت نفوذ وتواجد على حساب الشعوب العربية وأمريكا.
* ما هي مصالح روسيا في الوقوف مع الحوثيين في اليمن وكيف سيؤثر ذلك في العلاقة مع دول الخليج؟
- بداية روسيا تواقة إلى الوصول إلى المياه الدافئة منذ عهد الاتحاد السوفيتي السابق، وهي ترى الآن أن فرصتها قد حانت حيث الدور الأمريكي في المنطقة في طريقه إلى الأفول، ومن ثم تعمل روسيا بكل قوة على التواجد في المنطقة، وهذا ما نراه في سوريا وقد نراه في اليمن، كما أنها بدأت في إعادة الدفء إلى علاقتها مع مصر، لكن من الضروري أن يكون ذلك مصحوباً بقراءة دقيقة لمصالح شعوب المنطقة وبما يجعل هذه الشعوب تقبل روسيا ولا تنفر منها كما كان الوضع في ظل الاتحاد السوفيتي.
* تواترت أخبار أخيراً عن وصول أسلحة روسية للحوثيين، هل ذلك يعد دعماً للانقلابين أم أن ذلك وفقاً لعقود سابقة تم إبرامها؟
- يقال إنها كانت صفقة مبرمة منذ عهد النظام السابق، لكن على روسيا ألا تتعامل مع جماعة اغتصبت الحكم في اليمن، وعليها أن تتعامل مع الدولة اليمنية بعد عودتها ولا تتعامل مع جماعة أو حزب أو فئة، فمن الخطر أن تصل الأسلحة الروسية إلى اليمن في مثل هذه الظروف حيث قد تصل إلى جماعات إرهابية متطرفة أياً كانت وبذلك يتم استخدام هذه الأسلحة ضد الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة. أي كان يجب على روسيا تأجيل تسليم الصفقة ولكنها على ما يبدو لم تفعل ذلك.
* هل تتوقع أن يقوم الحوثيون بفتح جبهات مع المملكة جنوبياً بدعم من إيران؟
- المملكة العربية السعودية دولة كبيرة وذات ثقل وذات سيادة ومدركة تمام الإدراك للمخاطر والتحديات في المنطقة وليس الجبهة الجنوبية فقط، وهي قادرة على أن تحمي حدودها جيداً وقادرة بعون الله وبحكمة القيادة، وبما لديها من قوات مسلحة ورجال أمن، وبشعبها العظيم، أن تكون آمنة مستقرة وتنعم بالأمن والاستقرار، وقادرة على صد أي محاولات خارجية وقطع دابرها، ولذلك نحن كشعب سعودي في حالة اطمئنان وثقة من أن حدودنا آمنة ووطننا مستقر ولن يستطيع أي أحد أن يعكر صفو هذا الاستقرار.
* الحرب الأهلية على أبواب اليمن إذا لم يتوصل أطراف الحوار إلى حل. فهل تتوقعون أن ذلك خيار أخير بين فصائل الشعب اليمني إذا لم يكن هناك حل؟
- نحن نخشى أن ينزلق الشعب اليمني الشقيق إلى متاهة الحرب الأهلية، ونأمل أن تستوعب جماعة الحوثي الدرس وتعود إلى قبول وإرساء دعائم التعايش السلمي البناء الذي اعتاد عليه الشعب اليمني منذ القدم، خصوصاً أن اليمن دولة منهكة واقتصادها ضعيف وهش ولا تتحمل صراعات داخلية أو حروباً أهلية خاصة مع وجود الأسلحة الكثيرة لدى اليمنيين، ونحن نراهن كثيراً على حكمة الشعب اليمني صاحب الحضارة ونأمل أن يتجاوز محنته الحالية بأقل الخسائر.