د. عبدالواحد الحميد
سيدة مثقفة من جدة توقع باسم «فاطمة» وتُعقب من حين لآخر على بعض ما أكتب في هذا العمود وترسل لي تعقيباتها مباشرة عبر بريدي الإلكتروني. ولأنني لا أعرف عنها أي شيء فإنني أتصور أنها -من أسلوبها واهتماماتها- ربما تكون أديبة أو مشروع لأديبة على الأقل.
علّقتْ الأستاذة فاطمة على مقال كتبتُه منذ فترة ليست بالبعيدة عن الحي التاريخي بجدة، وقدمتْ اقتراحاً تمنت عليَّ أن أنقله إلى سمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وها أنذا أفعل. تقول الأستاذة فاطمة:
قبل حوالي 17 عاما زرت المتحف الوطني في جزيرة سانتوزا في سنغافورة. فكرة المتحف تتمثل في محاكاة سنغافورة القديمة قبل 100 عام. لا أستطيع وصف الإبداع الرائع في هذا المتحف! سنغافورة القديمة عبارة عن أربعة أحياء رئيسية: الملايو الأصليون، والصينون، والهنود، والحضارم المخلطون. لقد أعادوا صناعة تلك الأحياء بدكاكينها، بأناسها، بشوارعها، بل حتى برائحة البخور وعبق التراب وصوت البحر والحوارات بين الصيادين وكلها تتجول في المتحف وتصعد إلى البيوت وتشاهد الحياة الاجتماعية. المطبخ، حجرة البنات، دكان الخُضَري، حتى ملامح تماثيل الشمع. الله.. الله.. على الإبداع الذي رأيته ولن أنساه بعد كل هذه السنوات!! بل ما أعجبني كثيرا هي ملابس الملايو للنساء والرجال قديما وكيف تتشابه كثيرا مع ملابس سكان حضر الحجاز!!
ثم تعلق الأستاذة فاطمة على المنطقة التاريخية في جدة التي كتبتُ عنها بعد زيارتي لها، فتقول:
المنطقة التي زرتَها في جدة القديمة هي منطقتي حيث ولدت ونشأت وما زالت فرصٌ سياحية استثمارية كبيرة ضائعة في المنطقة ومنها على سبيل المثال إنشاء متحف كبير يجسد أحياء جدة القديمة وأحياء خارج السور التي كانت مسكناً للقادمين من ينبع وبدو الحجاز والأفارقة. حتى أحياء جدة كان لها تقسيمات مختلفة: فحارة الشام للتجار، والبحر للصيادين، واليمن للصنايعية إلخ. كثيرٌ من أهل جدة الأحياء لديهم تصور دقيق عما كانت عليه تلك المنطقة. تسأل أين يمكن أن يقام متحف ضخم على غرار متحف سنغافورة؟ أقترح أن يكون المكان خلف باب شريف إلى كوبري الهنداوية. هي منطقة ضخمة، وكلها بيوت شعبية وقريبة جداً من البلد القديمة ومعظم البيوت مؤجرة إلى مقيمين. لماذا لا تستغل تلك المنطقة!؟ إذا كان الأمر يتعلق بالتعويضات فهذه يمكن حلها حتى لو على المدى البعيد، وهناك كثيرون من أهل جدة الأحياء قادرون على المساهمة تطوعا في مشروع كهذا.
ثم تتساءل الأستاذة فاطمة:
هل بالإمكان أن تنقل اقتراحي للأمير سلطان بن سلمان، ليس لأني ابنة جدة لكن بالفعل لأن جدة ثرية جداً بتراثها القديم، وحرام أن يضيع دون توثيق حقيقي جاد.
* * *
ها أناذا قد فعلت، وها هو الاقتراح الحضاري الجميل للأستاذة فاطمة أمام أنظار سموه وهو المتحمس دوماً لمثل هذه المبادرات التي تحفظ تراثنا وتاريخنا الثقافي والمعماري والآثاري.