فضل بن سعد البوعينين
آثر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز توجيه «خطاب المُلْك»؛ الذي رسم فيه الخطوط العريضة لبرنامج عهده؛ وملامح التوجه السياسي، الاقتصادي، الأمني، الخدمي، في المرحلة القادمة؛ إلى شعبه والمجتمع الدولي؛ من خلال تمثيل شامل لمؤسسات الدولة؛ وأطياف المجتمع.
حديث القلب؛ جاء شفافاً جلياً شاملاً لم يترك مجالاً للتأويل؛ شدد على التنمية والأمن وبناء الاقتصاد؛ وبشر بـ»غد واعد مشرق ومزدهر بإذن الله». «تفاءلوا بالخير تجدوه»؛ والمؤمن متفائل دائما؛ يرتجي رحمة الله وعونه وتوفيقه؛ وبغض النظر
عن الظروف المحيطة والتحديات القائمة؛ تأتي الرؤية التفاؤلية لتضيء الطريق؛ وتشحذ الهمم؛ وتوجه الجميع نحو الأهداف السامية؛ بإذن الله.
كان الوطن والمواطن محور الخطاب الملكي؛ الذي أكد فيه؛ حفظه الله؛ على تحقيق «التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة، والعدالة لجميع المواطنين»؛ ووضع الحلول العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطنين، ومعالجة أزمة البطالة وبناء الاقتصاد وتحقيق هدف تنويع مصادر الدخل وهي من المشكلات المزمنة في الاقتصاد السعودي.
المضي في بناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل وإيجاد فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة على النمو؛ ودعمها لتكوين قاعدة اقتصادية متينة؛ هو ما يحتاجه الاقتصاد في الوقت الحالي.. إضافة إلى وضع الحلول اللازمة لمعالجة أزمة السكن ودعم القطاع الخاص بشكل يسمح له بممارسة دوره المسؤول وإنجاح خطط التنمية.
مخاطبة رجال الأعمال؛ والتأكيد على أنهم «شركاء في التنمية» وتعهد الحكومة بـ» دعم فرص القطاع الخاص ليسهم في تطوير الاقتصاد الوطني» أمر غاية في الأهمية. الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص هي السبيل للنهوض بالاقتصاد وتطويره وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ في الوقت الذي يمكن أن يسهم فيه تقدير هذا القطاع؛ والاعتراف بجهوده التنموية إلى مزيد من التحفيز للعمل والاستثمار ومواصلة البناء.
وفي المقابل؛ أشار الملك سلمان إلى مسؤوليات القطاع الخاص تجاه الوطن؛ ومسؤوليتهم في الإسهام «بمبادرات واضحة في مجالات التوظيف والخدمات الاجتماعية والاقتصادية». هي علاقة متينة ذات اتجاهين يفترض أن يكون التوازن ديدنها؛ والمسؤولية قاعدتها؛ والرحمة إطارها.
إبراز الآثار المتوقعة لانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد السعودي؛ والدخل الحكومي؛ مع الوعد بمعالجة تداعياتها والاستمرار في وتيرة الإنفاق؛ وعمليات استكشاف البترول والغاز والثروات الطبيعية يضع المواطن والقطاع الخاص أمام حقائق مهمة؛ وتحديات يجب مواجهتها بشجاعة وشفافية؛ كما أنه يرسل رسائل خارجية لأسواق النفط الحساسة تجاه التلميحات بوقف الاستثمارات الموجهة لعمليات الاستكشاف. أحسب أن التأكيد على استمرار عمليات الاستكشاف والاستثمار النفطي في السعودية هو رد مباشر على بعض التصريحات الإعلامية التي تحدثت عن وقف غالبية الدول المنتجة لاستثمارات ضخمة في قطاع إنتاج النفط لأسباب انخفاض أسعار النفط وبالتالي دخل الدول المنتجة.
التأكيد على استمرار إستراتيجية التنمية المتوازنة أمر غاية في الأهمية؛ إضافة إلى العدالة بين المواطنين، والتصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع وما يضر بالوحدة الوطنية، وهذا يحقق الأمن المجتمعي الذي يعتبر قاعدة الأمن الوطني. وعلى علاقة بذلك؛ أشار الملك سلمان إلى دور الإعلام في دعم جهود التنمية والتطوير وإيصال الحقائق وعدم إثارة ما يدعو إلى الفرقة أو التنافر.
أعتقد أنا في أمس الحاجة إلى «إستراتيجية إعلامية وطنية» تسهم في تحقيق الأهداف السامية؛ وتوفر الحماية للوطن والمواطنين.
استمرار النهج التطويري أحد الملامح الرئيسة التي كشف عنها خطاب الملك؛ فالعودة عن رحلة التطوير ستكون مكلفة بلا شك؛ لذا من الضروري المضي قدما في تنفيذ خطط التطوير للنهوض بالاقتصاد والتنمية وجميع القطاعات المهمة «وبما يتفق مع الثوابت الدينية والمجتمعية».
أجزم بأن كلمة الملك سلمان أوضحت بجلاء رؤيته الحالية والمستقبلية؛ وأسس العمل التي سينتهجها في حكمة والتعامل مع القضايا الداخلية والخارجية؛ وفي مقدمها قضايا الاقتصاد ورفاهية المواطن والتنمية المتوازنة التي أكد؛ حفظه الله؛ على استمرارها لتحقيق رفعة المواطن وتنميته الوطن وازدهاره واستغلال الامكانات المتاحة وتسخيرها لتنمية الانسان والمكان والتأكيد على حق الجميع في التنمية والعدل والأمن والاستقرار.