المشاريع الجبارة والرائدة يظل ذكرها على طول الزمان وتظل أسماء بناتها العظام تتردد على مر الأيام والعصور خاصة إذا كانت خدمة لبيت الله الحرام وقاصديه، فزبيدة زوجة هارون الرشيد لا يزال ذكرها يتردد منذ أن قامت بتعبيد وعمارة طريق الحج الذي يخترق صحاري نجد وكثبان رمالها وسهولها ووديانها بل وحتى حراتها، هذا الطريق الذي يعرفه كل سكان نجد حالياً وكان قبل سنين قليلة وحتى بعد ظهور السيارات.
في إحدى المرات كنت أسير في صحارينا الممتدة ما بين القصيم والمدينة المنورة ومكة المكرمة في صيف شديد الحرارة لا يرى فيه إلا السراب والشجيرات تتراقص تحت وهج الشمس الحارق ولا أثر للحياة في هذه المفاوز الشاسعة إلا زواحف تلوذ في ظلال الشجيرات، رمال وراء رمال وبيداء دونها بيداء، فجأة لاح لي في وسط السراب ثلاثة صهاريج وتعجبت كيف توجد في هذه الصحراء وعندما اقتربت منها رأيتها تملأ خزاناتها من بركة أثرية واسعة هي إحدى (برك زبيدة) هل رأيتم كيف امتد أثر هذا (المشروع) حتى وقتنا الحالي رغم مرور ما يزيد عن 1200 سنة على إنشائه، وهو طريق معبد يمتد من العراق إلى مكة المكرمة.
بعد أكثر من 1200 سنة من إنشاء طريق زبيدة لخدمة الحجاج، أمر ملك المملكة العربية السعودية عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بإنشاء طريق سريع ومسفلت لمرور السيارات يسير محاذياً لطريق زبيدة ولكنه يبدأ من منتصف مسافة هذا الطريق ولا يمتد إلى شمال شرق المملكة، إنه طريق (مكة- القصيم) السريع الذي بدأ تنفيذه، وهي بداية موفقة لهذا المشروع (الاستراتيجي) الذي لا يختص بمنطقة دون غيرها وإنما يمر بأربع مناطق من المملكة وهي مكة المكرمة، المدينة المنورة، القصيم، الرياض ومن مميزات هذا الطريق أنه يمر بأكبر امتداد قروي في المملكة كان بعيداً عن الطرق وفي صحار شاسعة وهي المثلث الواقع بين كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والقصيم، وحتى يؤدي هذا الطريق مهمته الأساسية وهي خدمة حجاج بيت الله الحرام وزواره فلا بد من إكمال ازدواجه (شمالاً بعد تقاطعه مع طريق الرياض - المدينة المنورة) ليصل إلى حفر الباطن ومنفذ الرقعي الحدودي مع الكويت فهذه الوصلة هي عنق الزجاجة الذي يؤدي إلى الطريق السريع الذي بدأ إنشاؤه إلى مكة المكرمة، وكذلك طريق (الرياض-المدينة) السريع، وباكتمال هذا الطريق سيكون لدينا طريق دولي (تاريخي) سيكون علامة فارقة في تاريخ الإنجازات في عهد خادم الحرمين الشريفين وفي تاريخ المملكة اللامع وخدمتها لبيت الله الحرام وقاصدية، هذا الامتداد هو إكمال لهذا الإنجاز التاريخي وجزء لا يتجزأ منه.
من يقصد مكة المكرمة قادماً من شمال شرق المملكة أو الكويت أو العراق فاقصر الطرق التي يسلكها هي:
1- عبر منفذ الرقعي حتى الوصول لحفر الباطن عبر طريق مفرد بطول 100كم، ثم الاتجاه إلى الجنوب مباشرة حتى الوصول إلى المجمعة بطول 375 كم، ثم الاتجاه عبر طريق مفرد وخطر ومتعرج ماراً بكل من شقراء والدوادمي بطول 475كم حتى الوصول لطريق الرياض الطائف حتى مكة المكرمة عبر طريق السيل بطول 322 أي بطول اكثر من 1472كم وبزمن رحلة يزيد عن 15 ساعة.
2- نفس المسار السابق ولكن الاتجاه عبر الزلفي إلى غرب القصيم بطول 340كم ومن ثم الاتجاه إلى مكة عبر المدينة المنوره وعبر طريق (القصيم- عفيف- الطائف) بطول 750كم أي بطول يزيد عن 1500 كم وبزمن رحلة يزيد عن 15 ساعة أيضاً.
أما المسار المقترح (درب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز) وذلك بداية من منفذ الرقعي حتى يصل إلى بداية طريق (مكة- القصيم) أي نقطة التقاطع مع طريق (الرياض- المدينة المنورة) وهي مركز السيح والحجازية والوصلة المقترحة للطريق بطول حوالي 550كم من منفذ الرقعي حتى غرب منطقة القصيم (ما بين النبهانية ورياض الخبراء) واذا اضيفت إلى طريق (مكة- القصيم) الذي بدأ تنفيذه فسيكون لدينا طريق (اوتوستراد دولي) يخترق المملكة من الشمال الشرقي حتى مكة المكرمة بطول يزيد قليلاً عن 1000كم وسيكون طريقاً (تاريخياً) وانجازاً فريداً سيكون خدمة جليلة للحجاج والمعتمرين يريحهم من عناء التنقل عبر طرق مفردة ومزعجة برحلة شاقة ومخاطر محدقة تستغرق أكثر من 15 ساعة وبطرق ذات خدمات (متخلفة) إلى طريق سريع وحديث وبزمن رحلة لا يزيد عن 50 % من زمن الرحلة السابق على ان يراعى في إنجاز هذا (الدرب) ما يلي:
أ- ان يتم التعامل معه بشكل مغاير للتعامل العادي مع الطرق السريعة والناقلة للحركة فهو طريق غير عادي يؤدي إلى مكان مقدس وان يصمم بطريقة إسلامية تعكس عمقه التاريخي والديني وأن يتم معاملته وكأنه طريق محيط بالمسجد الحرام (أي يتم تمويله بشكل استثنائي ضمن مشاريع الحرمين الشريفين) فهو طريق يخدم قاصدي مكة المكرمة والحرمين الشريفين وليس أهم ولا أولى عند خادم الحرمين الشريفين من خدمتهما، وهذا لا شك يضمن سرعة تنفيذه.
ب- أن يتم ضمن نفس المشروع بناء نزل حديثة واستراحات للحجاج ذات طراز إسلامي تاريخي وان يكون أحد هذه الاستراحات (منتصف الطريق) استراحة كبيرة تشمل جميع المرافق والخدمات (فندق 5 نجوم ذي طراز إسلامي- مسجد كبير- مطعم حديث يقدم مختلف انواع الوجبات الساخنة -دورات مياه- مركز طبي- محطة للوقود وخدمة السيارات) وبعد بنائها يتم تشغيلها عن طريق شركة غير ربحية، حيث ان التجربة المريرة لاستراحات الطرق على الطرق المؤدية إلى مكة قد عكست صورة سلبية عن بلادنا وتم بناؤها بطريقة رديئة متخلفة ومع ذلك لا يوجد بها الخدمات أو رديئة أما إذا تم بناؤها ضمن هذا المشروع وانفق عليها يضعة ملايين من الريالات وقدمت الخدمات للحجاج بأسعار رمزية قليلة فسيكون ذلك خدمة جليلة لقاصدي بيت الله الحرام وقدمت صورة ناصعة لهذه البلاد التي اخذت على عاتقها خدمة بيت الله الحرام وقاصديه.
وقد تم تنفيذ جزء كبير من هذا الدرب داخل منطقة القصيم وتبقى الجزء الأهم وهو الواصل إلى مكة المكرمة ماراً بسلسلة جبال شرق مكة المكرمة ولم يتم اعتماد هذا الجزء وطرحه في منافسة عامة وهو الجزء الأهم من الطريق والأصعب في التنفيذ حيث تعترضه الجبال والوديان التي لن تقف عائقاً أمام العزم والاصرار على خدمة حجاج بيت الله الحرام.
أثق ان هذا المقترح سيجد الاهتمام من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي وعد بالوصول بمكة إلى العالم الأول ولا شك أن هذا الطريق هو من أهم الطرق التي تدخل ضمن هذا الاهتمام جغرافياً داخل منطقة مكة المكرمة ووطنياً ودينياً بكامله ليدخل ضمن مشاريع الحرمين الشريفين، كذلك سمو أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل الذي تابع مشروع الطريق منذ أن كان فكرة حتى بدا تنفيذه بعزم لا يلين ومتابعة ميدانية مستمرة، واثق باهتمام معالي وزير النقل المهندس عبدالله المقبل ومعالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف.