محمد آل الشيخ
اتصل بي وبالجريدة كثيرون، يستفسرون عن تجربتي مع علاج مرض السكر بالخلايا الجذعية، التي كتبت عنها في مقال سابق؛ وبعضهم يرغب في عنوان المستشفى الذي تلقيت فيه العلاج في الهند.
لهؤلاء الأفاضل أقول: العلاج بالخلايا الجذعية، خاصة لمرضى السكر، لم يزل في طور التجربة؛ بمعنى أنه لم يثبت بعد أنه علاج دائم ونهائي لهذا الداء المضني، وربما أن هذا العلاج تكتنفه مخاطر ومضاعفات لن يكشفها إلا الزمن وتعدد التجارب العلاجية للمصابين بهذا الداء. كما أن نجاح التجربة لشخص مريض، قد لا ينسحب على جميع المرضى، نظراً لتفاوت الإصابة بداء السكر بين فرد وآخر، إضافة إلى أن هذه التقنية العلاجية قد تتطور وتتغير في المستقبل، وتتخذ مسارات جديدة من شأنها أن تجعل الطريقة المتبعة اليوم للعلاج بالخلايا الجذعية تقنية بدائية عند مقارنتها بما ستتطور إليه في المستقبل، مثلما هو شأن المكتشفات والعلاجات الطبية في بداياتها.
لذلك كله، أود أن أشير هنا إلى أنني حينما عقدت العزم على تجربة العلاج بالخلايا الجذعية، كنت على وعي تام بهذه الجوانب لمثل هذا العلاج الحديث، وأهمها أنها تجربة جديدة، ولم يثبت على وجهٍ يقترب من اليقين أبعادها وما يكتنفها من مخاطر ومضاعفات، غير أنني كنت (شخصياً) مضطراً، تعلقاً بالأمل، وهروباً من وضع مزري لهذا المرض كنت أعايشه، أن أخوض التجربة، وأتجاوز محاذيرها التي حدثني عنها بالتفصيل كثير من الأطباء المتخصصين.
وهذا يعني أنني أنصح بالتريث، خاصة لمن هم يستطيعون التحكم في هذا المرض، واتقاء مضاعفاته؛ فشخصا كهذا ليس -في رأيي- مضطر لخوض التجربة وهي لم تزل وليدة، ولم تنته بعد تجربتها وقراءة نتائجها ومضاعفاتها على أرض الواقع بالقدر الكافي.
وحسب ما توفر لدي من معلومات، ففكرة العلاج بالخلايا الجذعية كنظرية ونهج دوائي حديث ومختلف، تتسابق كثير من الجامعات والعلماء المتخصصون وكذلك المختبرات الطبية في شتى أنحاء المعمورة، على طرق أبوابها، إما بالتحديث والتطوير، أو بتلافي بعض العوائق التي تعيق تفعيلها، كرفض الجهاز المناعي عند بعض الأشخاص لها مثلا، ما يجعل من الحكمة لغير المضطرين (التريّث) وعدم الاستعجال، ففي مجال العلوم العصرية قاطبة قد يكون ما يُعتبر اليوم احتمالا تعتريه كثير من المخاوف يقترب في الغد من الوضوح أكثر، ولا يُخالجه إلا نسبة ضئيلة من العتمة، واحتمال المآلات السلبية؛ ويمكن بالتالي أن تكون المخاطرة غير مأمونة العواقب مثلا، أكثر أمانا في المستقبل القريب؛ فلماذا الاستعجال إذا كانت حالة الشخص المصاب تتحمل الصبر والأناة ولا تستدعي الاندفاع والمخاطرة.
غير أن مشكلة كثير من التقنيات العلاجية الواعدة، كالخلايا الجذعية مثلاً، التي من شأنها القضاء على كثير من الأمراض المزمنة والمنتشرة، خاصة تلك التي يمكن للإنسان أن يتعايش معها نسبيا من خلال الأدوية، هي معضلة شركات إنتاج الأدوية، فهذه الشركات ترعبها هذه المكتشفات الجديدة، وتخاف على دخلها واستثماراتها، فتمارس على هذه التقنيات وتطويرها وتحديثها كثيراً من الضغوط، بأية وسيلة، فالميكافلية في الغرب والشرق معا، ليست سلاحاً سياسياً فحسب، وإنما في كل المجالات؛ وإذا كان حافز الربح هو الباعث الأول لاكتشاف كثير من الأدوية العلاجية التي قضت على كثير من الأمراض والأوبئة، فهي اليوم بمثابة العقبة الكأداء التي تقف كحجر عثرة في وجه كثير من الأساليب العلاجية الجديدة، التي من شأنها القضاء على بعض الأمراض المزمنة -كالسكر مثلاً- قضاء مبرما، ويأتي على رأس هذه الأساليب التي تحاربها شركات إنتاج الأدوية حربا لا هوادة فيها (تقنية العلاج بالخلايا الجذعية) ليس في مجال علاج السكر فقط، وإنما في غيره من الأمراض التي تدر على هذه الشركات ذهباً.
إلى اللقاء