عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد
منذ أن تسلَّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أطال الله في عمره - مهام الحكم في مملكتنا الحبيبة في يوم الجمعة 3 من ربيع الآخر عام 1436هـ، وهو يُسابق الزمن في تحقيق الإنجازات العظيمة لبلادنا الغالية، وخلال هذه المدة البسيطة من حياة الدول والشعوب تحققَ لنا من المنجزات الشيء الكثير، وما زلنا في انتظار المزيد من الخير والعطاء كما وعد - حفظه الله -، ولعل من أهم الخطوات التاريخية التي تمت في تلك الحقبة القصيرة من الزمن: إعادة تشكيل مجلس الوزراء، وتعيين وزراء يتمتعون بالتعليم العالي والمتخصص والخبرة العملية والوطنية المخلصة، والحماس والرغبة في تحقيق الأهداف والغايات، وتشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهي خطوة ضرورية ومدروسة في التخطيط السليم، والتنسيق التام بين القطاعات المختلفة، والمضي قدماً بخطوات مدروسة نحو الأهداف المحددة، ثم جاء خطاب جلالته يوم الثلاثاء 19 جمادى الأولى 1436هـ ليرسم الملامح، ويحدد المسارات، ويوضح الأهداف والغايات والمقاصد.. لم يكن الخطاب طويلاً، فخير الكلام ما قلَّ ودلَّ، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - إنه يُخاطب شعبه وأمته العربية والإسلامية والعالم بقلبه لا بلسانه، وليس أصدق من حديث القلوب، ووعد - حفظه الله - بغدٍ واعد مشرق مزدهر لبلادنا الحبيبة ولشعبنا العزيز، ولأمتنا العربية الماجدة، ولم ينس - حفظه الله - مآثر الملك المؤسس والموحد الذي جمع الشمل، ووحّد الصف، ونشر الأمن والاستقرار في ربوع بلادنا الغالية، رحم الله الملك المؤسس رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، فذكر ما سار عليه ومن ورائه أبناؤه الملوك الذين تولوا دفة الحكم على خطى ثابتة وسنن قويمة، دستورها القرآن، ومنهجها السنة النبوية الشريفة، وهدفها خدمة الدين والوطن والمواطن، وشكرَ الله على ما امتنَّ به على هذه البلاد من خدمة الحرمين الشريفين، وتأمين أقصى درجات الأمن والراحة والاطمئنان لضيوف الرحمن - حجاجاً ومعتمرين -، ثم تطرق - حفظه الله - إلى نهج السياسة الداخلية لحكومته فوعد بمواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد منذ توحيدها تمسُّكاً بالشريعة الإسلامية الغراء، والحفاظ على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها وإكمال البناء الذي أُسس من قبل، استمرار التنمية الشاملة المتوازنة في كافة مناطق المملكة، وتحقيق الدالة لجميع المواطنين، وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم، وأبانَ - حفظه الله - أن كل مواطن محل اهتمام ورعاية جلالته، ووجّه أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع إلى مطالبهم وحل قضاياهم، ووعد بمحاربة الفرقة والتفرق والاختلاف، ولم يغب عن بال جلالته دور الإعلام في قيادة الناس وإيصال الحقائق إليهم، ووعد بأن يكون هذا الإعلام وفق تعاليم الدين الإسلامي، ووسيلة جمع وتآخٍ، وتقوية لأواصر الوحدة واللُحمة الوطنية، ووعد - حفظه الله - باستمرار التطوير الذي هو سمة الدول مع الحفاظ على الثوابت الدينية والقيم الاجتماعية وحفظ الحقوق، وأعلن جلالته أنه وجّه مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وكافة الأجهزة الحكومية أن عليها التيسير على المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم، ولم يغب مشروع التطوير الإداري لأجهزة الرقابة عن ذهن جلالته، وذلك لأهميتها فوجَّه - حفظه الله - بمراجعة أنظمة هذه الأجهزة بما يكفل تعزيز اختصاصاتها، مما يُسهم في القضاء على الفساد ويحفظ المال العام ومحاسبة المقصرين. وشدد جلالته - حفظه الله - على أن الأمن مسؤولية الجميع، وأنه لن يسمح لأحد أن يعبث بأمننا واستقرارنا، والأمن هو عماد الحياة ومن ضروريات التنمية والبناء، وخادم الحرمين الشريفين يُدرك بثاقب نظره، وطويل خبرته واتساع أفقه أهمية تنويع مصادر الدخل، وتقوية الاقتصاد الوطني وبناءه على أسس راسخة وقوية، ولذلك وعد بالعمل على بناء اقتصاد قوي ومتين مع تنويع مصادره، وإيجاد فرص العمل التي تكفل للمواطنين الحياة الشريفة في الدولة والقطاع الخاص، ثم أشار - حفظه الله - إلى أن تقلبات أسعار البترول لن تؤثر على برامج التنمية، وسوف يحد من تأثيراتها، وأن الدولة سوف ترتقي بالخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وخاطب جلالته الشباب بأن الدولة وفرت لهم كل ما يحتاجون إليه، وأن عليهم النهل من العلم والتحصيل، فهم استثمار المستقبل للوطن، ولرجال الأعمال بأنهم شركاء في التنمية والدولة تعمل على تطوير الاقتصاد، وهم نسيج منه، وعليهم الإسهام بمبادرات واضحة في التوظيف والخدمات الاجتماعية، ثم وجّه جلالته الخطاب لضباط وجنود القوات العسكرية فذكَّرهم بأنهم محل القلب من الجسم وهم حماة الوطن، ودروعه وأنهم قريبون من جلالته، ومحل رعايته واهتمامه. أما السياسة الخارجية للمملكة، فقد أوضح - حفظه الله - أنها تلتزم بتعاليم الدين الإسلامي واحتام المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، واحترام مبدأ السيادة، وعدم التدخل في شؤون الدول، ورفض التدخل في شؤوننا، وحل القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية، وتحقيق التضامن العربي، وتنقية الأجواء العربية وتوحيد الصفوف وتحقيق الأمن والاستقرار وإرساء مبدأ العدالة والسلام، والتزام نهج الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية، ومكافحة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله والتعاون مع الدول في ذلك، وستسهم المملكة بما لها من ثقل ومكانة مرموقة لحل المشاكل والقضايا العالمية، كقضية البيئة، والتنمية المستدامة، والتعاون مع الدول في تحقيق ذلك.. وكعادته - حفظه الله - اختتم الكلمة بالابتهال إلى الله أن يمده بالعون والتوفيق، وأن يحفظ لوطننا أمنه واستقراره.
لقد حدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - في هذا الخطاب خطة ومنهاج الحكومة في العمل الداخلي والخارجي، وهي خطوط عريضة وبرامج واسعة، وعلى كل وزير أن يقدم برامج وخطط وزارته التنفيذية، وبوجود المجلسين تتم مناقشتها وتمحيصها والتنسيق فيما بين برامج وخطط القطاعات المختلفة والوزارات المعنية، ثم تُعتمد من قِبل خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لكي تأخذ طريقها للتنفيذ.
حفظ الله جلالة الملك سلمان، وولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وحفظَ الله بلادنا وأمننا واستقرارنا، وأعانَ الله كل مسؤول على تحقيق الأهداف والغايات، إنه سميع مجيب الدعوات.