د. مساعد بن عبدالله النوح
نشرت موقع صحيفة المرصد الإلكترونية يوم الأربعاء 27جمادى الأولى الموافق 18 مارس 2015 خبراً عن عقوبة قررتها لجنة الشؤون الأمنية بمجلس الشورى بحق المفحط أو من يسمي نفسه بالدرباوية وهي السجن 5 سنوات وغرامة مالية قدرها40الف ريال
معتمدة في إقرارها على الفقرة41 من المادة الثانية والمادة التاسعة والستين من نظام المرور بالإضافة إلى معاقبة من يشجع على التفحيط.
لقد بات من المسلمات أن الشاب المفحط هو ابن مرحلة المراهقة في الغالب، وهذا يعني أنه يواجه تحديات سلوكية عدة تجعل من حقه على مؤسسات التربية في المجتمع التعامل معه بصورة مناسبة، ومن أبرز هذه التحديات:
- تحدي الصراع الداخلي، وله مظاهر كصراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين آثار الطفولة ومتطلبات الرجولة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وتقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وتقاليد مجتمعه، وصراع بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ وهو صغير، وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة بالحياة، وصراع ثقافي بين جيله الذي له آراء وأفكار والجيل السابق.
- تحدي السلوك المزعج، وله مظاهركرغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة وبالتالي قد يصرخ ويشتم ويسرق ويركل الصغار ويتصارع مع الكبار ويتمرد على التعليمات المنظمة للسلوك ويتلف الممتلكات ويجادل في أمور تافهة ويتورط في مشكلات ولا يهتم بمشاعر غيره، ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل.
- تحدي العصبية وحدة الطباع من خلال اللجوء إلى عصبيته وعناده يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف ويكون متوتراً بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول: إن المفحط عندما يمارس هوايته فإنه يكون متأثراً بسمات المرحلة العمرية التي يمر بها، وبالتالي قد يرى أنه لا يرتكب أخطاء أو مخالفات نظامية تستحق القلق، الأمر الذي يجعله ينتظر من أفراد مجتمعه بألا يبالغوا في وصف تجاوزاته بالمحاذير.
من تعامل معه عن قرب يدرك بأنه يستحق الشفقة، وأنا أجزم بأن الجهات الرسمية المختصة بحالته لديها من مظاهرها الشيء الكثير، لكنها لا تخرج عن العقوبات والجزاءات المقررة من قبل مقام وزارة الداخلية.
ألا يستحق يا مجلس الشورى وأنت الجهة الاستشارية بأن يتم التعويض عن السجن بالأخذ بالأحكام البديلة التي قررها القضاء السعودي. وهي تدخل في باب التعزير الذي لا يوجد نص شرعي يحدد العقوبة فيجتهد القاضي ناظر القضية في إصدار عقوبة في الغالب تكون تقديم خدمة اجتماعية والمشاركة في أعمال عامة يكون نفعها عائدا للمجتمع والمتهم.
وهي ليست اجتهادية إنما صادرة من قبل لجنة سداسية تضم وزارتي الداخلية والعدل وهيئة التحقيق والادعاء العام والمديرية العامة للسجون والأمن العام وديوان المظالم أعدت لائحة استرشادية تتضمن العقوبات البديلة وآليات تطبيقها وتم رفعها إلى وزارة الداخلية. إذ يقدر القاضي ملابسات وقوع القضية وحال المتهم وصغر سنه وعدم السوابق ومدى ندمه ومعرفته للخطأ الذي وقع منه، وكذلك نوعية القضية، وفي الغالب أن مثل هذه الأحكام تصدر في حق الأحداث وصغار السن في القضايا اليسيرة التي تقع منهم ولا يوجد فيها حق خاص، وكذلك من الأمور المهمة التي يعتمد عليها القاضي عدم استخدام العنف ممن وقعت منه المخالفة.
وأما سجنه من المرة الأولى فقد يكون غير مجد؛ لأنه يساعده في التعرف ومخالطته لأرباب الجرائم وتوسيع دائرة علاقاته غير المرغوب فيه، وبالتالي قد ينزع من ممارسة التفحيط إلى ممارسة أعمال أخرى قد تؤدي في النهاية إلى عقوبة مغلظة كالسجن لمدة طويلة أو القصاص لا قدر الله.
ومن زاوية إنسانية الشاب المفحط له أسرة أنفقت عليه الكثير ليس مالياً فحسب وإنما جهوداً تستهدف بناء شخصيته دينياً خلقياً وعاطفياً واجتماعياً وجسمياً وعقلياً وإرادياً وجمالياً، وبالتالي تتوسم الخير والعطاء لنفسه ومجتمعه. إنها تتحسر على حال ابنها وهو يمارس التفحيط، وتتعاظم حسرتها عندما يزهق أرواحاً أو يتلف مقدرات المجتمع والقبض عليه والزج به إلى السجن.
ألا يستحق من الجميع أن يعامله مثل الشاب المغرر به من قبل رواد الجماعات المتطرفة تزين لهم بعض المفاهيم كالجهاد والشهادة وهم يعيشون حياة مخملية في بيوتهم ومع أسرهم. ومن زاوية تربوية يستحق احتواء مثل هؤلاء وذلك بتقديم برامج تدريبية وتوعوية تتعاون في تصميمها وتنفيذها كليات التربية بالجامعات السعودية ووزارة الداخلية ممثلاً في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة؛ لامتصاص الطاقة الزائدة لديهم وتفريغها في أعمال تعود عليهم بالفائدة.
ومن الحلول أن تتبنى مقام الرئاسة العامة لرعاية الشباب فكرتين الأولى تحول مساحات رملية بعيدة نوعاً ما عن المدن إلى ميادين للمنافسات والمسابقات، والثانية تصميم برامج تأهيلية لسباق الراليات لهم؛ لجعلهم من مشاهير الراليات السعودية، وتدعمهم للمشاركة في الراليات الإقليمية والدولية.
ومن الحلول هو أن يقترح مقام مجلس الشورى للمفحطين التجنيد الإجباري لهم، من خلاله يتعلمون مهارات حياتية مختلفة قد تساعدهم في إصلاح حالهم. حفظ الله شبابنا من كل مكروه، وأصلح الله حالهم، وجعلهم قرة أعين لآبائهم وأمهاتهم..آمين.