د. أحمد الفراج
كلما يأتيني عرض استثماري أو سياحي مغرٍ جداً، أتذكر المقولة الشهيرة: «مغرٍ جدا لدرجة يصعب معها تصديقه»، ولذا أتردد، وأستخير، وغالباً ما أرفض تلك العروض، ومن خلال إطار تلك المقولة أقرأ السياسة الإيرانية، فهي سياسة توسعية، قررت منذ ثلاثة عقود أن تسيطر على منطقة الشرق الأوسط، خصوصا جيرانها في الخليج، وكرست كل جهودها لتحقيق هذا الهدف، لدرجة أنها عملت على إنتاج سلاح نووي، وصنعت تنظيمات عسكرية، عالية التكلفة، في كل مكان استطاعت الوصول إليه، على غرار حزب الله اللبناني، وبعض الفصائل في العراق، والحوثي في اليمن، عدا الطوابير الخامسة في أماكن كثيرة، وكان هذا على حساب شعبها، ورفاهيته، فالمشاكل الداخلية الإيرانية تستعصي على الوصف، والاقتصاد شبه منهار، ولكن كل ذلك تخفيه القبضة الحديدية، وخطب الملالي، ومندوبيهم من أصحاب العمائم.
في لحظة تاريخية لا أظنها ستتكرر، تولى باراك أوباما رئاسة أمريكا، وقد جاء خلفا للصقر الجمهوري بوش الابن، الذي جعل الشعب الأمريكي يكره الحروب، بسبب احتلال العراق، علاوة على أن أوباما، ذاته، رجل سلام، بحكم تعليمه العالي وثقافته، فوجدتها إيران فرصة تاريخية لتناور، وكلما توالى فشل أوباما في سياساته الخارجية، كلما ضغطت إيران أكثر في مفاوضاتها النووية، لدرجة أجبرت رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو على كسر كل البروتوكولات، وعلى التضحية بالعلاقات الإسرائيلية التاريخية مع البيت الأبيض، وسيده، وذلك عندما أصر على إلقاء خطاب في الكونجرس الأمريكي يوضح فيه خطورة إيران، وهو الخطاب الذي ساهم في تكبيل أوباما، فوق ما هو مكبل من خصومه الجمهوريين، وفي خضم كل ذلك كانت إيران تعمل على تحقيق طموحاتها التوسعية، فأصبحت تحكم دمشق، بعد أن أصبح العراق محافظة إيرانية، ثم أخيراً سلطت عميلها الحوثي، وبدعم من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، على اليمن، فتنظيم الحوثي هو مجرد غطاء لانقلاب صالح، الذي يسيطر رجالاته وأعوانه على الجيش اليمني، والقوات الخاصة، وصالح، وليس الحوثي، هو الذي سيطر على صنعاء، ويتقدم صوب عدن، ولكن مهلا فالأمر في بدايته.
لا أقلل من خطورة إيران، ولكنها تذكرني بفريق كرة القدم الضعيف، عندما يسجل هدفاً في فريق كبير مع بداية المباراة، ثم بعد أن يتحمس أفراد الفريق الضعيف، ويصدقوا أنفسهم، يتفاجؤون بالحقيقة المرة، بعد نهاية المباراة، إذ يكون الفريق الكبير قد هزمهم، بل وسجل عدداً كبيراً من الأهداف في مرماهم، إذ نحن في منتصف صراع سياسي عربي - إيراني يطبخ على نار هادئة منذ زمن طويل، ولا يمكن القول إن الصراع انتهى بانتصار إيران، إذ إن اللاعبين الكبار كانوا في مرحلة الإحماء، وهم على أهبة الاستعداد لإعادة الأمور إلى نصابها، وهم، وكعادة اللاعبين الكبار، لا يلعبون بكامل طاقتهم، ويقدمون كل ما لديهم إلا عند الأزمات، إذ إن للحرب رجال لا تظهر مهاراتهم، وقدراتهم الفائقة إلا عند الضرورة، فلا تستعجلوا، وتطلقوا صافرة النهاية، فسيطرة إيران على كل هذه المناطق العربية ينطبق عليه القول: «كبير جداً لدرجة لا يمكن معها تصديق أنه سيستمر»، وها هو العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز يعلن، أثناء كتابة هذا المقال، عن بدء عملية «عاصفة الحزم» العسكرية، بقيادة صقور الجو السعوديين، التي تضم تحالفاً من عشر دول لإنقاذ الشرعية في اليمن، وإعادة الأمور إلى نصابها، فاللهم انصر هذه القوات، وسدد رميها، وانصرها على العملاء والخونة ممن باعوا كرامتهم وأوطانهم، واحفظ وطننا، وجميع أوطاننا العربية من الخونة والمجرمين.