د. أحمد الفراج
طوال تاريخها، خطت المملكة العربية السعودية خطاً سياسياً واضحاً، يبدو محيراً من أول وهلة. هذا، ولكنه، للمتابع والمحلل، واضح تمام الوضوح، فالمملكة لا تتدخل في شئون الآخرين، وتعمل بصمت، حتى لتظنها لا تعمل، وتحلم كثيراً، ولكنها كعادة أهل الحلم، تغضب، والويل لمن لا يتقي غضب الحليم، ومن خلال هذا الإطار، تفاجأ العالم أجمع، بمن فيهم المحللون السياسيون، بإعلان «عاصفة الحزم»، والتي جاءت كحل أخير للتعاطي مع الغطرسة الإيرانية في منطقتنا العربية، والتي كانت تتبجح باحتلال أربع عواصم عربية، وتهدد باحتلال المزيد، وهذه الغطرسة كان شعارها «المد الصفوي» العنصري، والطائفي ضد كل ما له علاقة بالإسلام السني، وبالعروبة، وقد تحملت المملكة الكثير، وحاولت بشتى السبل حلحلة الأوضاع بالطرق السلمية، والحوار، ولكنها أدركت أن «الكي» هو آخر الحلول، فجاءت العاصفة، والتي كانت نتيجة تحالف دولي، أيدته معظم دول العالم، إلا دول العصابات التي تسير في فلك إيران!.
كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين رداً على عاصفة الحزم مثيرة للسخرية، ولن أقول الدهشة، لأنه لم يعد يدهشنا شيء، بعد أن رأينا المقاوم المزعوم، وعميل ملالي طهران حسن نصر الله وعصابته، وهم يقتلون إخواننا السوريين، دفاعاً عن السفاح بشار الأسد، ورأينا عصابات الملالي تعيث قتلاً وتشريداً بإخواننا السنة في العراق، وتدخل المملكة في اليمن هو جزء من تحالف إقليمي ودولي، ومتوافق مع الشرعية والقانون الدولي، وذلك للتصدي لمليشيا الحوثي الإرهابية، التي استولت على السلطة في اليمن بالقوة، وطاردت الرئيس الشرعي للبلاد، وهو الأمر الذي أدانه مجلس الأمن الدولي بوضوح، وبالتالي فإن «عاصفة الحزم» تعتبر حربا على الإرهاب الذي ترعاه إيران، إذ إن هناك توافق في المصالح والتنسيق بين عصابة الحوثي وتنظيم القاعدة، الذي تستضيف إيران قياداته، وتمنحهم الدعم المادي والتوجيه لاستهداف المملكة والدول العربية والغربية!!.
إنه أمر مثير للسخرية أن تشجب إيران التحالف الدولي لإنقاذ اليمن من تلك العصابات، وهي ذات الدولة البوليسية، التي تقتل عصاباتها أهلنا في الشام والعراق، ويتولى الإيراني قاسم سليماني، والعميل المأجور حسن نصر الله، وغيرهم من العملاء قيادة تلك المهمات الإجرامية، ولكن هذه هي السياسة الإيرانية، فإيران لا تملك الجرأة للمواجهة، وتكتفي دوما باستئجار عصابات تقاتل بالنيابة عنها، فإن نجحت هذه العصابات وإلا تخلى عنها الملالي، لأن القاتل المأجور لا يستحق من يدافع عنه، ومثلما استأجرته إيران، فإنه قد يكون أجيراً لغيرها في زمن آخر.
إيران لا تستطيع المزايدة على مواقف المملكة التاريخية تجاه اليمن، فالمملكة كانت دائماً سباقة لدعم أهلنا هناك، وآخر ذلك كان تقديمها العون الإنساني والطبي لليمنيين الهاربين من جحيم عصابة الحوثي، التي ترعاها إيران لتدمير اليمن، ومحاربة أهل السنة، وليعلم ملالي طهران أن المملكة العربية السعودية ملزمة بحماية الحرمين الشريفين، والمدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، والتي كانت عصابات الحوثي تهددها، ضاربة عرض الحائط بمشاعر أكثر من مليار مسلم، و»عاصفة الحزم» كانت استجابة من المملكة وحلفائها لنداء الرئيس الشرعي لليمن، ولنداءات الشعب اليمني الشقيق، الذي ذاق الأمرين من قوات الخائن علي صالح من جهة، ومن عصابات الحوثي من جهة أخرى، فكانت تلبية النداء قوية وصارخة، ومدوية، سمعها العالم أجمع، وقابلها الشعب اليمني الشقيق بلافتات الشكر والامتنان لقيادة المملكة وجيشها وشعبها، فالشعب اليمني كان ولا يزال يعتبر المملكة هي الحصن المنيع، والجار الذي يلجأ إليه عند النوائب، فهل تفقه حكومة الملالي في طهران ذلك؟.