محمد أبا الخيل
كنت أتساءل منذ فترة عن سبب اهتمام إيران في الهيمنة على بلدان محددة في المشرق العربي وإهمالها التأثير في البلدان التي تحدها شرقاً أو شمالاً مع أن نسبة التشيع في تلك البلدان التي تتاخمها شرقاً وشمالاً هي أكبر بكثير عما هي عليه في المشرق العربي، هذا فيما إذا كانت إيران تسعى إلى رعاية التشيع وتحسين واقع الشيعة المعيشي كما تدعي، ومع أن الواقع يقول إن حال الشيعة في البلدان العربية أفضل بكثير من حال الشيعة من غير الفرس في إيران، لذا لم أستسغ أن إيران تهتم بالشيعة العرب في بلدانهم من قبيل العاطفة الدينية، بل هو بغرض التوظيف السياسي لأغراضها الاستعمارية. فمنذ أعلنت إيران مبدأ تصدير الثورة ونشر ولاية الفقيه لم تذهب بها لأفغانستان أو أذربيجان أو طاجكستان أو باكستان ومجموع الشيعة في تلك البلدن هو ضعف الشيعة في العالم العربي كله، بل وضعت خطتها باتجاه الغرب والجنوب وخصصت مبالغ هائلة في ميزانيتها لتحقيق ذلك الهدف. فلماذا فعلت إيران ذلك؟؟
منذ أكثر من سنتين وفي مكتبة للكتب القديمة في (سان هوزية) في كاليفورنيا، عثرت على ترجمة إنجليزية لملحمة (الشاهنامه)، وهي ملحمة شعرية كتبها الشاعر (الفردوسي أبو القاسم منصور) بتكليف من السلطان محمد الغزنوي ورعاية والي طوس أبو منصور، والملحمة ظهرت في وقت اشتدت الشعوبية الفارسية تجاه العرب في حال ضعف الخلافة العباسية، ويقال إن رغبة السلطان الغزنوي في جعلها ملحمة حكواتية تقرأ فتستثير النزعة الفارسية ليمّكن بها حكمه الذي اتسع حتى بلغ الهند، لذا وضع لها جائزة عظيمة، ولكن عندما بلغته لم يعجب بها فأهملها.
و(الشاهنامة) تفرد قسم كبير منها لتمجيد الدولة الساسانية وكونها مجد فارس العظيم، وفي أبيات منها تحتقر العرب وتتحسر على ضياع ملك فارس أمام مد العرب البدو. والدولة الساسانية التي دامت حوالي 400 سنة امتد نفوذها إلى مصر واليمن والأناضول والشام ولكنها انتهت في عهد يزدجرد الثالث على أيدى الفاتحين المسلمين.
منذ أن بدأت بقراءة ترجمة (الشاهنامة)، وكنت أفعل ذلك بين فترة وأخرى، تكشف لذهني تفسيرات لما تقوم به إيران اليوم، فإيران دولة شعوبية فاشية تسود فيها العنصرية الفارسية على باقي مكونات الشعب الإيراني وتفرض ثقافته على الجميع في حال قمع شديد لكل ما هو غير فارسي، بل إن هناك نزعة لصبغ المذهبية الجعفرية بصبغة فارسية عبر دس شخصيات فارسية لها روايات مختلفة عما هي مدونة في كتب الشيعة القديمة. وتدعي المرجعيات الإيرانية أن عدد الفرس في إيران هو (60 %) من الشعب الإيراني، في حين تقول مصادر أخرى إن ذلك مبالغ فيه حيث إن كثير من المكونات الأخرى أجبرت على الفارسية كثقافة، وتمارس إيران تفرقة عنصرية في تولية مناصب الدولة الهامة لغير ما هو فارسي، بل إن من هو فارسي وسني أفضل حالا من الشيعة غير الفرس.
سعت إيران منذ الحكم الصفوي إلى إعادة أمجاد الدولة الساسانية وواجهتها الدولة العثمانية بقوة ثم أتى الاستعمار الإنجليزي الذي حاول أن يخلق وضع في إيران شبيه بالوضع في الهند ويستخدم النزعة الفارسية لدعم توسعه في المنطقة العربية، لذا ساعد الفرس على ابتلاع الدولة العربية (مملكة الأحواز) والتي كانت تفصل إيران عن الخليج، وبعد أن تولى الشاه محمد رضا بهلوي حكم إيران سعى من جديد لبسط هيمنته على الدول العربية المجاورة وحاول لعب دور حامي المصالح الغربية في منطقة المشرق العربي وتمادي في تغريب المجتمع الإيراني شكلاً ومضموناً لتحقيق تلك الإستراتيجية، ولكنه لم يكن يخفي الغرور الفارسي و النزعة التوسعية، لذا لم يستطع أن يكتسب الثقة المطلقة من الغرب، وبعد أن نجحت ثورة الملالي وظهرت دولة (جمهورية إيران الإسلامية)، تجدد الحلم في إعادة المجد الفارسي كما كان أيام الدولة الساسانية وكانت الآلية لذلك هي (ولاية الفقيه) وولاية الفقيه العامة فكرة ظهرت أول مرة قبل أكثرمن (200) سنة على يد مجموعة فقهاء أشهرهم الشيخ محسن خنفر النجفي، ولكنها لم تلاق قبولا بين معظم مراجع الشيعة حتى اليوم، لذا وجد حكام إيران الجدد في ولاية الفقيه حجة دينية تمنحهم السلطة على الشيعة خاصة والمسلمين عامة، وتيسر لهم السيطرة السياسة بعد ذلك على البلدان المجاورة، ومع ذلك لم تتوجه إيران بدعوى ولاية الفقيه لغير الدول العربية المجاورة لها، مما يقود للظن بأن إيران تريد بعث أمجاد الدولة الفارسية والانتقام من الفتح الإسلامي بإعادة الهيمنة الفارسية على بلاد العرب. لها طموح خاص بمكة المكرمة والمدينة المنورة لسبب خفي.
عاصفة الحزم التي تدور رحاها اليوم لتجهض أحد أهداف إيران في بسط نفوذها الساساني، هي هبة في وجه الطموحات الفارسية وهي انتفاضة عربية لرفض الخضوع والخنوع للهيمنة الخارجية مهما كانت وهي بلا شك بداية لمجد عربي جديد سيتشكل استهلالاً بعهد ميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والذي بعث ربيع عربي حقيقي في النفس العربية جعلها تستنبت الأمل من جديد في تحقيق مجد يحيي أمجاد الماضي، فلم يكتسب حاكم عربي قبله هذا الإعجاب العارم من الخليج إلى المحيط، نسأل الله أن يديم عليه الصحة ويمده بالعون وييسر له القول والفعل.