د. حمزة السالم
كان رأي نبينا عليه السلام وكبار صحابته في أحد، عدم الخروج من المدينة لملاقاة قريش بل التحصن بها ومقاتلة قريش في طرقها وسككها ورميهم من أسطح منازلها ونخيلها. وفي الخندق، كانت النخيل جبهة دفاعية طبيعية، لا يفكر قائد حربي باختراقها مهاجما فهي مكامن ومصائد أهل النخيل أدرى بها وأعلم. وحرب الجبال في الوقت الحالي، أشد صعوبة وتعقيدا من حرب المدن نظرا لمناعتها ضد القنابل والمتفجرات بخلاف المنازل والأبنية.
وقد استمد الرسول الكريم من تجارب الفرس فحفر الخندق بمشورة سلمان، والحكيم يتعلم من تجارب الأمم وتاريخها مهما كانت انتماءاتهم وعدواتهم.
وقد شكلت جبال أفغانستان عائقا طبيعيا، منع غزوها قرونا طويلة عبر التاريخ. وقد حاول الأمريكان في بداية حربهم الأفغانية كسر هذا التاريخ، فأمطروا جبال أفغانستان بجحيم لم يبخلوا فيه ولم يقتصدوا، ولكنهم سرعان ما اكتشفوا منعة الجبال الأفغانية وميزة المدافع المُتحصن بها خاصة المتمرس على القتال فيها، وأدركوا مسبقا فشلهم القادم. فرجعوا لعين العقل والحكمة، فأهل الديار أعلم بها وبمخابئها وطرقها ومسالكها. فاعتزلوا الحرب البرية ووكلوا مهمتها للشماليين على أن يتكفل الأمريكان بالسماء والدعم الناري غير المباشر من صورايخ ونحوها، وتكفلوا بقطع الإمدادات عن طالبان، فسرعان ما سقطت كابول على يد الأفغان الشماليين. وما زالت جبال أفغانستان إلى اليوم خارج سيطرة الحكومة الأفغانية.
وما أشبه حال ميدان المعركة في اليمن وتقسيمات مقاتليه بوضع أفغانستان.
فمقاتلو اليمن وجيشها اعتادوا على القتال والتدرب في جبالها وعرفوا مخابئها ومصائدها وكمائنها وكهوفها. وهم كذلك أعرف بطرقهم القتالية المحلية، وخدعهم الحربية وحيلهم المستمدة من طبيعة أرضهم وجبالهم. والحوثيون قد ظلموا اليمن وأهله واعتدوا على سلطته الشرعية وروعوا الناس، فأهل اليمن المظلومون أولى بأخذ ثأرهم، واسترداد أرضهم أوجب عليهم.
وجيش اليمن وأهله وقبائله يُعدون استراتيجيا، أفضل الوسائل وأنجعها عسكريا للحرب البرية. كما أن النصر نصر اليمن، فأهل اليمن أحق به، وأحق أن يرفعوا راياته بأيديهم.
فالطيران في الحرب اليوم، في مقام الخيل والسهام والرماح في حرب الأمس. والمدرعات اليوم كالدروع بالأمس. والأسلحة الثقيلة اليوم كالمدفعية ونحوها، في مقام المنجنيق بالأمس. والأسلحة المتوسطة اليوم في مقام السيف بالأمس. فالجبال تمتنع عن الفرسان، فلا ميدان لكر خيل وفرها. ولا مجال لسهم أورمح يُرمى به. والمُدرع المقاتل ليس مكانه الجبل، والجبل أضيق مجالا لإظهار مهارات المبارزة بالسيف والرمح. حرب الجبال، حرب صراع بالأيدي والخناجر. وحرب مكائد وكمائن ومصائد، الغالب فيها الأعرف بها وبمواقعها ومخابئها، فأهل اليمن أعلم بها وأكفأ وأقدر عليها.
وحرب المدن لا تبعد عن حرب الجبال في خصوصيتها بتغلب أهلها عموما ما لم تدمر بيوتها وتنسف جسورها وتهدم مبانيها، ولذا فهي في حال اليمن الشقيق أخص وأشد صعوبة قتالية على غير أهلها، فنحن أحرص من الحوثيين على سلامتها وسلامة أهل اليمن ونحن أغير منهم على بنائها وبنيتها التحتية والفوقية وعلى نقاء مائها وهوائها، ونحن أشفق منهم على نسائها وأطفالها.
والحرب البرية في اليمن لن تكون إلا في جبل أو مدينة. فالطرق والصحراء قد تكفلنا بها مسبقنا، بعد أن اشتكى اليمن عُريها فكسوناها أزيزاً وناراً ودخاناً.
قد تكفلنا لأهل اليمن بكل ما ظهر على سطح الأرض من الحوثيين، فعطلنا قواعدهم وقطعنا طرقهم وشتتنا تجمعاتهم ومنعناهم الإمدادات والمؤن وحشرناهم حتى ألجأناهم للكهوف والجبال وضيقنا عليهم في مشارف المدن حتى لجؤوا للنساء والأطفال فاختبؤوا بينهم.
والزمن معنا، والقضاء على الحوثيين مسألة وقت. فلن يصبروا على ضيق الكهوف وسخرية النساء والأطفال، ولن يصبر أهل اليمن عليهم. فدونكم يا أهل اليمن يمنكم فطهروا مدنها من نجاسة الحوثيين الخونة عملاء الملالي الإيرانية، وأقعدوا لهم على منافذ الأودية والشعاب وتربصوا بهم حتى يخرجوا لكم من كهوفهم مذعنين مستسلمين.
ليس من الشجاعة ولا من الحكمة الزج بأبنائنا في حرب جبلية، حرب مكائد وكمائن لا حرب فروسية ومواجهة. وليس من الشجاعة ولا الحكمة الزج بأبنائنا في حرب مدن يتحصن فيها الحوثيون بالنساء والأطفال ويتخذوا منهم ضحايا يسفكون دمائهم بأيديهم ليألبوا قلوب أهل اليمن علينا.
لم يسجل التاريخ قط نصرا في حرب جبلية المهاجم فيها ليس من أهلها. ولم يسجل التاريخ حرب مدن لم تُهدم على أهلها. ولسنا من أهل جبال اليمن، ولن نهدم المدن اليمنية، فهي مدننا وأهلها أهلنا.