الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب المسجد الحرام، أن الإسلام دعا إلى حسن الظن بالآخرين، وأنه عندما يصبح كل فرد ضمن المجتمع حاملاً في نفسه الثقة العالية بالآخرين فإن المجتمع يعيش في سلام ووئام، ويتحقق بذلك الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
وواصل معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد حديثه لـ»الجزيرة» من خلال الجزء الثاني عن (الأمن الاجتماعي في الإسلام.. مقوماته وآليات تحقيقه).
حسن الظن
وأشار في هذا السياق إلى أن تعزيز حضور القضاء الشرعي وبيان دوره في إدارة دفة الأمن الاجتماعي لهو من أهم المهمات، فإضعاف القضاء وأجهزته والتسلط على أحكامه قبل تمامها وبعد استقرارها هو مؤشر وداع إلى ترهيل الأمن الاجتماعي وإضعافه وتجرئة ضعفاء النفوس على نشر الفساد والفتن وزعزعة الأمن.
الثالثة : حسن الظن: المجتمع الإسلامي هو مجتمع الثقة المتبادلة التي تقوم على مبدأ حسن الظن. فدعوة الإسلام إلى حسن الظن بالآخرين، وصحة عمل المؤمن والأخذ بظواهر الأمور، فحسن الظن ليس تبسيطاً للأمور بل من أجل تعزيز حالة الثقة في المجتمع، فعندما يصبح كل فرد في المجتمع يحمل في نفسه الثقة العالية بالآخرين يعيش هذا المجتمع في سلام ووئام فيتحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي. أما سوء الظن بالآخرين واتهامهم جزافاً بلا علم ولا كتاب مبين يؤدي إلى تفتيت المجتمع وانقسامه، وهذا التخرص في اتهام الآخرين ورميهم بجلب المفاسد وتعطيل المصالح وفق معايير شخصية لهو أشد وسيلة لهتك حرمة المسلم من جهة ومن جهة أخرى تعطيل للمجتمع من استفادة من بعض كوادره.
الرابعة: بناء البيئة الأخوية وتجسير العلاقات النافعة المتبادلة، فإن علاقة المسلم بأخيه المسلم علاقة تكامل، عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه البخاري ومسلم وزاد البخاري (وشبك بين أصابعه) وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.. الحديث) رواه مسلم. وروى أبو داود والترمذي بسنديهما عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
تطبيق الشريعة
وقال د. صالح بن حميد: إن هذه العلاقة تحتاج إلى بيئة تترعرع فيها وتنشأ في ربوعها، ومن تأمل مهجر النبي عليه الصلاة والسلام والقواعد الرأسية التي أرساها في أول نزوله للمدينة والتي تقوم على إنشاء الرابطة الشعورية وهي التآخي بين المهاجرين والأنصار واعتماد المركز الجامع لهذه الروابط وشخوصها وهو المسجد النبوي زاده الله تشريفاً، قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : « وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسس مسجده المبارك على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم». فبهذا المسلك الذي اتخذه النبي عليه الصلاة والسلام يتحقق الأمن الاجتماعي الذي باستقراره يبدع المجتمع بأفراده في جميع جوانب الحياة من حيث تطبيق الشريعة في الأنفس والمجتمع لنفخ روح الحكم الرشيد الذي تتطلع له النفوس البشرية التي تسعى إلى أن تُحكم بالشرع، ولن يستقر شأن الخلق إلا بالرابطة ارتضاها رب الخلق.
الخامسة: الإحسان وبذل المعروف، فمن تأمل أركان الإسلام أدرك من خلالها مساحة الإحسان ونفع الخلق في أصول الإسلام، ويزداد الأمر وضوحاً في مطالعة دواوين السنة النبوية وفصول مدونات الفقهاء فيما يتعلق بأحكام الزكاة ونصوص الصدقة والحث عليها، بل وصور الأعمال التي أطلق عليها مسمى الصدقة، حيث إن الإحسان يقوم على بابين الباب الأول الإعطاء وهو بذل الخير للناس مباشرة أو تسببا، والباب الثاني المنع وهو كف الأذى عن الخلق وإغلاق أبوابه ومنع ذرائعه. فإن تلك الأبعاد كفيلة بإذن الله مع بقية أصول الإسلام وأحكام الشريعة في بسط سياج منيع حول المجتمعات المسلمة من حيث أمنها في جميع مكوناتها الإيمانية والميدانية.
السادسة: المسجد ومنبر الجمعة: من الأسباب التي تؤدي إلى استتباب الأمن واستقرار المجتمع هو اجتماع الناس فيما بينهم واستماعهم إلى النصائح والتعريف بمشكلاتهم وحلولها وهذا ما يقوم به المسجد من دور أساسي في تنمية الأحاسيس الاجتماعية من خلال الحضور المباشر والمستمر في المسجد ومن خلال ما يسمع في خطب الجمعة من أحاديث تهم أبناء المجتمع. وهذا الحث الذي نجده في الإسلام بهذا الشكل هو لتحقيق الغايات السامية في المجتمع، ومنها بالطبع تأمين الجانب الاجتماعي والذي بدوره ينعكس في تحقق الأمن الاجتماعي.
السابعة: الأسرة هي القاعدة التي يُبنى عليها الضوابط الاجتماعية من خلال تعهد الأبوين لأبنائهم وتربيتهم التربية الصالحة، وقد أوجب الإسلام على الآباء مسؤولية تخريج أبناء صالحين يُساهمون في بناء المجتمع على أسس رصينة وذلك من خلال تربيتهم لأبنائهم التربية الإسلامية بتعويدهم على عمل الخير وتأصيلهم على حب الآخرين واحترامهم، وتقوية الفضائل في نفوسهم مثل الصدق وحفظ الأمانة ورعاية الضعفاء والمساكين، فهذه الصفات الحميدة لا يُمكن أن يكتسبها الفرد إلا في أسرة سليمة يقوم الأب بالدور المناط به، وكذلك تقوم الأم بالدور المرسوم لها، فإذا أديا ما عليهما من مسؤولية فإن أبناءهما سيكونون صالحين فينعكس ذلك على المجتمع فيكون مجتمعاً صالحاً يسودهُ الأمن والاستقرار.