سمر المقرن
في الدول الأوروبية، تنتشر المراكز الاستشارية والجمعيات الخيرية الخاصة بالمدمن وأسرته، وفي الغالب تقدم هذه المراكز التطوعية خدماتها بالمجان، وقليل منها يتقاضى مبالغ رمزية. توجه هذه المراكز خدماتها للمدمن الذي يشعر بصعوبة الإقلاع عن المخدرات، فيقوم المتخصصون بمساعدته ليتجه إلى إحدى المستشفيات العلاجية، إذ أن القوانين هناك -غالبًا- لا تفرض على مدمن المخدرات العلاج إنما تنتظر أن يطلب هو العلاج من نفسه، لوجود قناعة لديهم أن إدمان المخدرات هو فكر وسلوك يحتاجان إلى تعديل، وهنا تأتي أهمية هذه المراكز في إقناع المدمن على العلاج. أيضًا أسرة المدمن هي المتضرر الأول كما أنها الداعم الأول، لذا تركز هذه المراكز على أفراد الأسرة لتوجيههم نحو الطرق الصحيحة في التعامل معه واحتواء نوباته ومن ثم تسهيل عملية إقناعه بالعلاج، حيث إن الفكر السائد لدى الدول الأوروبية ينظر إلى أن المدمن لن يتعالج طالما لا يمتلك القناعة الكافية بالكف عن المخدرات.
في السعودية، الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في حِراكٍ دائم وسريع لتطوير أدوات المكافحة، فقبل أسابيع تم تدشين المركز الوطني لاستشارات الإدمان، عن طريق الهاتف، وهذه الفكرة تساعد الأسر وكذلك المدمنين من الحصول على استشارة دون تخوف ولا تردد، كما أنه همزة وصل مباشرة ما بين أهالي المدمن والجهات الأمنية لمعالجة المدمن (قسرًا) وقد نختلف هنا عن أفكار بعض الدول الأوروبية التي ترفض العلاج القسري، إلا أنني شخصيًا أميل مع فكرة العلاج القسري للمدمن -بعض الأحيان- نظرًا لكونه فاقد العقل الذي يرشده لضرورة العلاج، وأظن أنه بعد العلاج القسري بإمكانه تحديد طريقه بالاستمرار في الطريق السوي أو العودة إلى الطريق المنحرف، لذا فإن العلاج القسري سيساعده على تحديد المسار، أما تركه دون علاج وفرض فكرة عدم معالجته إلا بموافقته فلا أظنها صائبة مع شخص مُغيب تحت تأثير المخدرات.
الجميل في المركز الوطني لاستشارات الإدمان، هو قيامه بدعم من رجل الأعمال المعروف الدكتور ناصر الرشيد، وهنا تتجسد المسؤولية الاجتماعية التي نتطلع إلى تفعيلها على مستوى أوسع في كافة مؤسسات المجتمع، وأن لا تقع المسؤولية على كاهل المؤسسات الحكومية وحدها، وهذا الأمر يظهر أيضًا بالشراكة التي وقع عليها قبل أيام مجموعة عبداللطيف جميل مع مكافحة المخدرات لتدشين مصحة أهلية متخصصة لعلاج الإدمان، وهذا بلا شك، سيقلل من الضغط الحاصل على مستشفيات الأمل الحكومية، وسيمنح أسر المدمنين فرصة العلاج بالداخل بدلاً عن تكبد مشقة السفر للعلاج في المصحات الخاصة في الخارج والتي ثبت أن معظمها ذات هدف مادي -بحت- ولا تؤتي نتائج فعالة في الاقلاع عن المخدرات.
وجود المركز الوطني لاستشارات الإدمان مهم للغاية في كسر مخاوف المدمن وأسرته، وتغيير الفكرة السائدة في أن تبليغ الجهات الأمنية عن وجود مدمن ستكون نتيجتها التعامل معه كمجرم، فكل ما يحدث يؤكد أن مكافحة المخدرات تتعامل مع المدمن كمريض بحاجة إلى العلاج وليس مجرما يجب أخذه إلى السجن. أظن أن هناك كثير من المعايير التي حددت الفكر المجتمعي تجاه أفكار سلبية بعيدة عن الواقع، كفيلة الأيام بتغييرها مع اقتراب الإدارة العامة لمكافحة المخدرات من المجتمع، ومع إيجاد مؤسسات مجتمع مدني تُعنى بالمدمن وأسرته.