سعود بن عبد الله بن طالب
المستقرئ للتاريخ الإسلامي يتضح له بكل جلاء ووضوح أن الله -عز وجل- يقيض للأمة الإسلامية بعامة، ولبلاد الحرمين الشريفين بخاصة، من يجدد لها أمر دينها، ويحيي عقيدتها، ويعيد لها قوتها، وعزتها، وكرامتها، ومنعتها. وهؤلاء المجددون حباهم الله -تعالى- بصفات جليلة، وخصال عظيمة، تؤهلهم للقيام بالرسالة الكبيرة التي ناطها الله بهم.
ومن هؤلاء القادة العظام، والمجددين الأفذاذ: خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- الذي وهبه الله -تعالى- كل صفات القيادة من الحكمة، وثاقب الرأي، وبعد النظر، وتقدير الأمور، والعلم، والتجربة، والخبرة، والموهبة، ووضع الأمور في مواضعها الصحيحة، فهو لين رحيم في مواضع اللين والرحمة، شديد قوي حازم حين يستدعي الموقف الشدة والحزم، مسالم جانح للسلم في مواقف السلم، فإذا تعرضت الأمة الإسلامية وبلاد الحرمين الشريفين لأي خطر، وكان لا بد من خوض غمار الحروب فهو الأسد الهصور، والبطل الشجاع الصبور، يفدي دينه وأمته بنفسه وأولاده، ولا يرضى أن تمس هيبة البلاد، ولا أن تلمس كرامة العباد.
ولا شك أن هذه الصفات القيادية كانت متجلية ظاهرة في سيرته منذ نعومة أظفاره، وفي أعماله الجليلة التي قام بها في المناصب التي تقلدها أميراً للرياض، وولياً للعهد، ووزيراً للدفاع، وغير ذلك، مما يطول تفصيل الكلام فيه.
ومن هذه الصفات التي تتجلى في شخصية الملك سلمان: صفة الحزم، ومضاء العزم، فمن المعروف عنه -حفظه الله- أن يدرس الأمور بعناية تامة، وبروية كاملة، ويحيط بكل جوانب المسألة، فإذا اتضح له وجه الرأي، ولاح له الصواب، لم يتردد في إنفاذ الحق، وإمضاء الصواب:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
وهذه الصفة العظيمة كانت من أوائل الصفات التي تجلت في هذا القائد العظيم، من أول يوم ولاه الله فيه مقاليد الحكم في المملكة، فاتخذ قرارات حاسمة، وأعاد هيكلة الدولة، وجدّد تشكيل مجلس الوزراء، مما يدل دلالة قاطعة على أن القائد كان على دراية تامة بكل تفاصيل الحكم في المملكة، وعلى علم كامل بكل ما يجب عمله، لتعزيز أركان الدولة، وتثبيت دعائم الحكومة، وتقوية الجبهة الداخلية، ليتسنى له مواجهة الأخطار الخارجية التي تحدق بالأمة الإسلامية بعامة، وبجيران المملكة بخاصة، فالخطر الإيراني، وتهديده لليمن، ولدول الجوار، قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة، فقد حركت إيران أذنابها الحوثيين، بعد تزويدهم بما يلزم من العتاد والسلاح والمال والخبراء، مع انضمام الخيانة والغدر إليهم متمثلين، ومتجسدين في الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، لتحقيق أهدافهم التوسعية، وإكمال الهلال الشيعي، من خلال السيطرة على اليمن، كما فعلوا في العراق، وسوريا، ولبنان. فقام الحوثيون بالانقلاب على الرئيس اليمني المنتخب، والإطاحة بقوة السلاح، بالشرعية التي توافق عليها اليمنيون، ومنهم الحوثيون أنفسهم، وحاولت المملكة -كما هو مبدأها الثابت في النزاعات بين الفرقاء- التوسط بين أبناء اليمن، فبذلت كل جهودها، لتجنيب اليمن شرور الفرقة والنزاعات، فدعت إلى حوار شامل بين مكونات الشعب اليمني، في المملكة، للوصول إلى حلول توافقية، بعيداً عن التأثيرات الخارجية، لكن الحوثيين ركبوا رؤوسهم، واغتروا بقوتهم، ومساندة إيران لهم، فحركوا قواتهم للسيطرة على عدن، وقصفوا الرئاسي، وهنا استنجد الرئيس الشرعي المنتخب عبدربه منصور هادي، بأشقاء اليمن، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، ودعاهم إلى التدخل في اليمن، لإنقاذه، وتجنيبه ويلات الانشقاق، ومصائب الاحتلال الإيراني، والمحافظة على وحدته وشرعيته، والحيلولة دون قيام حرب أهلية لا تبقي، ولا تذر.
وبعد أن استنفذت المملكة العربية السعودية كل الوسائل الدبلوماسية، والاتصالات المكثفة، لم تجد بداً من نجدة اليمن، وتلبية استغاثة القيادة الشرعية والشعبية اليمنية المتمثلة في الرئيس عبدربه هادي، وهنا ظهر الوجه الآخر للمملكة، وقيادتها حين لا ينفع الحلم، ولا يجدي اللين، فبرزت صفات القوة، والشجاعة، والدهاء، والعزم، والحزم، وظهرت حكمة قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين، في وضع الأمور، وإعمال الصفات في مواضعها الصحيحة.
وهذا ما تجلى لكل متابع للأحداث في معالجته -حفظه الله- لمشكلة انقلاب الحوثيين على الشرعية الدستورية في اليمن، فإن المقام كان يستوجب إظهار ما يتمتع به الشعب السعودي من القوة والصرامة بقيادة الملك الحازم، والقائد المحنك الصارم، فكانت غزوة (عاصفة الحزم) التي تجلت فيها تلكم الصفات من عدة أوجه:
الوجه الأول: تعزيز الجبهة الداخلية قبل كل شيء، من خلال القرارات الحكيمة التي أصدرها الملك الحكيم من أول يوم تولى فيه الحكم، وهو ما تجلى في الإجماع الشعبي والتأييد المطلق للخطوة التي اتخذها القائد الملهم.
الوجه الثاني: تعزيز القوى المحيطة بالمملكة، وأعني مجلس التعاون الخليجي، وإعادة الوحدة إليه بعد أن بدأ الخلاف يدب إليه، وهذا ما تجلى في مشاركة دول المجلس في (عاصفة الحزم).
الوجه الثالث: تعزيز الصلة بالدول العربية، والبدء في ترميم ما حصل في جامعة الدول العربية، من تصدعات لا تخفى على أي متابع، وقد تجلى هذا في تأييد الإجراءات التي اتخذتها المملكة، بل إن بعض الدول الشقيقة تشارك في المعركة التي تخوضها المملكة.
الوجه الرابع: تقوية أواصر التواصل بين الدول الإسلامية، وهذا ما ظهر للمراقبين من تضامن الدول الإسلامية، وتأييدها لموقف المملكة، بل واستعدادها للمشاركة مع المملكة.
الوجه الخامس: القدرة السياسية العالية على شرح وجهة النظر السعودية للعالم، وإقناع المجتمع الدولي بأحقية المملكة في وقف العدوان الحوثي، وأن ذلك لا يتنافى مع القوانين الدولية.
وهكذا حصلت المملكة على توافق خليجي، عربي إسلامي، دولي، وتكوين حلف قوي في مساعيها للمحافظة على الشرعية اليمنية.
الوجه السادس: السرية التامة، والتحكم المطلق في مسألة الإعداد للمعركة، بحيث لم يتسرب عنها، ولا عن موعد انطلاقها، أي شيء، فكان عنصر المفاجأة والمباغتة مذهلاً للعالم، ومدهشاً للحوثيين ومن يسيرهم من خلف الستار.
الوجه السابع: القوة الضاربة، والتقنيات العالية، والكفاية الرفيعة للقوات المسلحة، مما كان مثار إعجاب وانهاش العالم، وأعطى رسالة في غاية الوضوح لكل من ظن أن المملكة ضعيفة، أو أن حملها وصبرها وجنوحها إلى السلم أمور ناتجة عن عدم إعدادها العدة للحروب، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمقدرات الوطنية.
وهذه الأوجه وغيرها تدل العالم أجمع على أن المملكة - بقيادة هذا الملك الفذ - هي رائدة العالم الإسلامي، وقائدة التضامن الإسلامي، وهذا ما تجلى واضحا من التأييد الجارف من عموم الشعوب الإسلامية والعربية للمملكة، وأعطى دليلاً لا يقبل النقض على المكانة الرفيعة والمنزلة السامية التي تتبوأها المملكة في قبول العرب والمسلمين، وأنهم على استعداد تام للدفاع عن المملكة العربية السعودية، والوقوف أمام أي اعتداء على المقدسات الإسلامية التي تحتضنها وترعاها.
وذلك يدل - أيضاً - على حنكة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - فقد استطاع في ظرف وجيز أن يقنع العالم كله بمكانة المملكة، وأن يجعلها القاطرة لكل تضامن إسلامي، أو تعاون عربي، مما كان مبعث فخر واعتزاز لنا - معشر السعوديين - بين شعوب العالم، واستعدادنا التام لنكون جنوداً مخلصين خلف هذا القائد العظيم، في خدمة ديننا وأمتنا ووطننا، وبذل الغالي والنفيس في الدفاع عن بلدنا العظيم هذا، بلد الحرمين الشريفين.
وفي الختام نسأل الله أن ينصر بلادنا نصراً مؤزراً، وأن يهزم أعداء الإسلام، وأن يحفظ هذه البلاد من كل سوء ومكروه في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد، وأن يوفقهم لحماية الدين والوطن.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.