عبدالله العجلان
وأنا أتأمل براعة وتفوُّق أبناء الوطن في المجالات العسكرية المعقدة وتقنياتها الحديثة المتطورة في عمليات عاصفة الحزم المباركة، تماماً مثلما أبدعوا في الطب والهندسة والثقافة والأدب والمعرفة، وفي مختلف العلوم والتخصصات، أتساءل: لماذا لا نتيح لهم الفرصة ذاتها في المجال الرياضي، وتحديداً كرة القدم؟ وإلى متى سنظل نستعين ولا نثق إلا بالمدربين والحكام الأجانب؟ مقابل التقليل والتهميش والتحطيم لأي مدرب أو حكم سعودي؟
لا أظن أن عشرات السنين من التمرس الكروي في كثير من الأندية لم تنتج مدرباً سعودياً يمكن الوثوق به، ولا يمكن ولا يليق بمسيري أنديتنا الإصرار بهذا الشكل على عدم منح المدرب السعودي نفس الفرصة والثقة الممنوحة للأجنبي، خاصة إذا ما علمنا أن مهنة التدريب ليست من المهن النادرة، وأن الإنسان السعودي تقلَّد مناصب ومارس أعمالاً كالطيران الحربي والطب والهندسة الأصعب والأهم بكثير من تدريب فريق كرة قدم..
إذا كانت مخرجاتنا الرياضية طيلة العقود الماضية لم تستطع أن تقدم لنا مدرباً واحداً عليه القيمة، ويمكن تصنيفه والتعاقد معه بنفس ما يحظى به الأجنبي، فهذا يعني أنه لا معنى ولا قيمة ولا فائدة لكل ما أُنفق وبذل وخطط له في الأندية واتحاد الكرة خلال أكثر من خمسين عاماً..
التحاور بالتلاسن!
يقول الإمام الشافعي:
«رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»..
تدرون لماذا لم تثمر حواراتنا ومنتدياتنا وبرامجنا وندواتنا ومحاضراتنا وسائر أطروحاتنا في مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وحتى في مجالسنا، رغم كثافتها وتنوعها، عن نتائج ملموسة وآثار إيجابية على سلوكياتنا وطريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا على المستوى الشخصي والمهني..؟
في تقديري، إن السبب يكمن في أننا غير قادرين على إدارة حواراتنا، وقبل ذلك لا نحدد بالضبط ماذا نريد منها؟ أي أننا نتحاور لمجرد النقاش، ونختلف ليس لإثراء الحوار وإنما لتسجيل انتصار لأنفسنا، بغض النظر عن صحة ومنطقية ما نقول؛ لذلك دائماً ما ينتصر الأعلى صوتاً، وليس الأكثر إقناعاً. كما أنه من النادر أن يبادر أحد الأطراف إلى التراجع عن قناعاته في حالة اكتشافه أنه كان مخطئاً، أو لأن الطرف الآخر قدم له معلومات وحقائق تدفعه إلى تغيير رأيه..
الأدهى مما تقدم أن هناك من لا يطرح رأياً، وإنما يتخذ قراراً، ويصدر أحكاماً قاطعة سلبية أو إيجابية باتجاه الأشخاص والقطاعات. فعلى سبيل المثال يصف المسؤول بالفاشل والجهاز أو الإدارة أو المؤسسة بالسيئة، ولا يقول في رأيه إن المسؤول أخطأ في كذا، أو إن المؤسسة قصرت في خدماتها أو تعاملها مع هذا الموقف أو ذاك؛ الأمر الذي يجعل الوصول بحواراتنا وآرائنا إلى مستوى تصحيح الأخطاء وتحسين وتطوير الأداء صعباً، وربما مستحيلاً..
أعود لمقولة الإمام الشافعي.. وأتمنى لو جعلناها شعاراً وأساساً ومنطلقاً لأسلوب حواراتنا ومفهوم آرائنا، وعندها أجزم بأننا سنرتقي بها. الأهم من ذلك أنها ستكون إيجابية مجدية ومعبرة لهمومنا ومتفاعلة مع تطلعاتنا، على اعتبار أن النقاش سيدور حول نوعية ومضمون الأفكار، وليس على اسم هوية وصفة مصدرها..