د.عبدالرحيم محمود جاموس
لم يعد يخفى على أحد أن إيران باتت تمتلك مشروعاً إمبراطورياً توسعياً طائفياً، يمثل نسخة جديدة ومعدلة عن ((إمبراطورية فارس)) التي أطاح بها الفتح العربي الإسلامي قبل أربعة عشر قرناً، لقد خدع الكثيرون بنوايا الثورة الإيرانية التي أطاحت بشاه إيران في نهاية سبعينات القرن الماضي، وتخيل البعض تماهياً مع شعاراتها المعلنة أنها جاءت لتحقيق الديمقراطية والحرية للشعوب الإيرانية، وقد زاوجت شعاراتها ما بين ((الديمقراطية والمذهبية)) وهنا يكمن التناقض الرئيسي في فلسفة النظام الذي أكد مبدأ ((ولاية الفقيه)) فجرى استبدال الاستبداد الفردي الدنيوي الذي مثله شاه إيران، باستبداد جديد فردي، دنيوي، ديني، مثلته ((ولاية الفقيه))، كان أشد وطأة وظلماً وفاشية من الاستبداد الفردي الدنيوي، حيث تصبح معارضته أو الثورة عليه، هي معارضة وثورة على الدين، وهنا تمت عملية الأدلجة السياسية بنجاح للدين والمذهب، كي تمنح الحصانة للاستبداد والقمع الجديد الذي تعيشه الشعوب الإيرانية، وتحويل مجموع الأتباع والأنصار إلى أداة طيعة في تحقيق الأهداف التي خطط لها بإتقان، والقائمة على التوسع والتمدد لحساب فاشية فارسية مذهبية جديدة، تثير التقزز من جهة كما تثير غرائز الآخرين للرد عليها بنفس الأسلوب والأدوات، ذلك ما رسم وخطط له مسبقاً من قبل (الشيطان الأكبر)، الذي ادعت الثورة الإيرانية ((الخمينية)) معاداتها له، وقد أدخلت المنطقة برمتها في أتون صراع دامٍ، دام عشر سنوات أزهقت خلاله أرواح الملايين من البشر الأبرياء، ومن ثم خلقت مناخاً ملائماً لإيقاظ الطائفية المذهبية السياسية لدى المذاهب والطوائف الأخرى، كي تنخر من خلالها جسد المجتمعات العربية والإسلامية وتطيح بوحدتها ووحدة دولها، كمقدمة لتفتيت المنطقة بما يحقق أهداف وغايات الإمبراطورية الإستعمارية الأمريكية (الشيطان الأكبر) وأداتها في المنطقة (الكيان الصهيوني)، فقد كان واضحاً التناغم الإيراني الأمريكي سواء في الإحتلال الأمريكي لأفغانستان أو العراق، حيث لم يكتف الاحتلال الأمريكي للعراق بإسقاط النظام العراقي كما كان يعلن عن هدفه وقت ذاك بل امتد إلى تدمير الدولة العراقية ومؤسساتها التي أنشئت في عام 1920م، وعمل على إطلاق يد إيران الفاشية المذهبية للانتقام من العراق وما مثله من سد منيع أمام تطلعاتها التوسعية من خلال صموده في حرب دامت عشر سنوات، وما يشهده العراق اليوم من تنامٍ للسيرة والهيمنة والنفوذ الإيراني الذي جرى كله بموافقة وتغطية أمريكية لم يعد خافياً على أحد.
لقد تمكنت الفاشية المذهبية الإيرانية من اللعب على الحبال المختلفة وصولاً إلى تحقيق غاياتها في التوسع والتمدد حتى أضحت قوة إقليمية يحسب لها الحساب، وتعقد الصفقات مع القوة العالمية الأولى ((أمريكا)) دون حساب لمخاطر هذه الفاشية المذهبية الفارسية على الدول والشعوب العربية، التي ضرب نسيجها الاجتماعي والوطني بتخطيط محكم وتوافق في الأهداف والغايات بين الفاشية المذهبية الإيرانية والإمبراطورية الأمريكية، وبالتالي لم يكن مفاجئاً لي ولكل متابع لمجريات الصراع في المنطقة وعلى المنطقة مثل هذه التوافقات، التي سيجري تتويجها بالاتفاق الإيراني مع دول (5+1) والذي أعلن وزير خارجية أمريكا ((جون كيري)) عن قرب توقيع هذا الاتفاق بشأن النووي الإيراني، الذي سيحول دون أن تصبح إيران دولة نووية حسب رأيه ...!!، ويحول دون استخدام القوة العسكرية الأمريكية لوقف تطلعات إيران النووية العسكرية...!!!
إن توقيع هذا الاتفاق في ظل التمدد والتوسع الذي تمارسه وتفرضه إيران على دول المنطقة العربية من العراق إلى سوريا ولبنان وغزة واليمن يدرك أن الولايات المتحدة غير معارضة لهذا التمدد والتوسع بل جاء في سياق خطة إستراتيجية خاصة لرسم معالم خارطة الشرق الأوسط الجديد، والذي ستكون فيه إيران قوة إقليمية ذات نفوذ معترف بها وبدورها الإستراتيجي في هذا الشأن، فبعد خمسة وثلاثين عاماً على ثورة الخميني تتضح أهدافها وتتلاقى مصالحها مع ((الشيطان الأكبر)) وأداته في المنطقة (الكيان الصهيوني)، فمن الصراع الشعاراتي بين ثورة الخميني (والشيطان الأكبر) وأداته ((إسرائيل))، إلى تقاسم الدور والتحالف على حساب المصالح العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي ما زالت ((إيران الثورة والمقاومة)) تتاجر بها وتستغلها في تحقيق غاياتها وتنفيذ أهدافها التي تتلاقى مع غايات وأهداف (الكيان الصهيوني) في تمزيق المنطقة العربية وتصفية القضية الفلسطينية وتقاسم الهيمنة والنفوذ عليها بما يحقق غايات الطرفين.
إن هذا التحدي الخطير للعرب وللقضية الفلسطينية يحتم إعادة النظر في السياسات العربية والفلسطينية التي يتوجب نهجها لمواجهة نتائج هذه التوافقات الخطيرة على الأمن القومي العربي والمشروع الوطني الفلسطيني.