د. جاسر الحربش
في مقالة ليوم 1-4-2015م في صحيفة نيويورك تايمز كتب توماس فريدمان موضوعاً محرضاً على التفكير العميق تحت عنوان: أخبرني أنت كيف يمكن لهذه الأوضاع أن تؤدي إلى نهايات حسنه. فكرة المقال تقوم على مقارنة نوعين من أنظمة الحكم الدكتاتورية في قارة آسيا والشرق الأوسط، تلك التي تحكم في الصين وسنغافورة وتلك التي تحكم العالم العربي وإيران. كتب فريدمان المقال أثناء زيارة للصين قبل أيام قليلة لمتابعة التطوير والتجديد الذي يصيب الزائر بالدوار في الصين، وهي زيارات يحرص فريدمان على تكرارها في فترات متقاربة. يقول قرأت في زيارتي الأخيرة مقالين في صحيفة صينية. يتحدث المقال الأول عن الزيارات التي تقوم بها كوادر الحزب الصيني الحاكم لرياض الأطفال للتأكد من تخفيف (وليس تكثيف) العبء التعليمي عليهم قليلاً، حيث إنه من المعتاد هناك البدء في تعليم الرياضيات واللغة الإنجليزية في مرحلة رياض الأطفال. في المقال الثاني تتحدث الصحيفة الصينية عن الأوضاع المأساوية في مدينة تعز اليمنية ومعاناة سكانها في كل شيء. هذا المقال ذكر الكاتب فريدمان بزيارته لمدينة تعز عام 2013م، حيث كوّن انطباعاً كارثياً عن اليمن، من أهم مؤشراته كون المواطن اليمني لا يحصل على مياه الشرب من البلدية سوى لما يعادل يوماً ونصف يوم في الشهر وعليه تدبر الأيام الباقية.
زبدة المقال يمكن تلخيصها في جملتين: الجملة الأولى أن أنظمة الحكم الدكتاتورية في دول آسيا (الصين وسنغافورة كأمثلة) قالت لشعوبها: اسمعوا، نحن سوف نسلبكم حرياتكم الشخصية، ومقابل ذلك سنقدم لكم تعليماً وتدريباً يجعلكم فيما بعد تتمتعون بميزات الطبقات المعيشية الوسطى في العالم المتقدم، ثم بعد ذلك تبدؤون في التمتع بالحريات الشخصية المناسبة للطبقات الوسطى. كان هذا ما حصل بالفعل في الصين وسنغافورة إلى حد كبير. الجملة الثانية: أن أنظمة الحكم الدكتاتورية في العالم العربي وإيران قالت لشعوبها: اسمعوا، سوف نسلبكم حرياتكم الشخصية وفرصكم في التطور العالمي، لكننا في المقابل سوف نهديكم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. هذا ما حصل بالفعل ولكن إضافة إلى ذلك بحصول الشعوب العربية وإيران على صراعات أخرى حول من هو الوريث الشرعي المستحق للرسالة المحمدية. انتهى
الأفكار في مقال هذا الكاتب الأمريكي اليهودي تقوم على المعطيات الحقيقية للنتائج، وتبعث في القارئ رغبة عارمة في الضحك بحسرة على ضياع الزمن والفرص والأرواح بسبب المتاجرات بالوطنية والمذاهب. يختتم فريدمان المقال بما بدأه به: إذا قلي بالله عليك، كيف لهذا الذي يحدث في الشرق الأوسط أن يؤدي إلى نتائج سليمة وجيدة؟.