فهد عبدالله العجلان
تنافس المحللون ومراكز الأبحاث في الشرق والغرب على قراءة انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني الذي أنجز يوم الخميس الماضي بين مجموعة (5+1) وإيران، والمتأمل لمسارتلك المفاوضات التي أنجبت الاتفاق الذي يفترض أن تستكمل تفصيلاته في شهر يونيو القادم يدرك أننا أمام أمن إقليمي عربي مختلف تتلاشى أمامه الخيارات التقليدية بتحالفاتها إلى واقع جديد لابد من قراءته بعيدا عن العواطف، فقطيعة الثلاثة عقود بين إيران والغرب والتي جعلت إيران محورا للشر تدخل اليوم عهدا جديداً، ينتظر أن تتحول فيه الجمهورية الإسلامية وحلفاؤها إلى محور الخير وهو ما يتمناه الجميع الذين صفقوا لهذا الاتفاق الذي يقدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما باعتباره إنجازا تاريخيا ليس له نظير!، لكن الرئيس أوباما باتفاقه المبهم لا يقدم تفسيراً عن دور الخير الجديد الذي ينتظره الأمريكيون ونحن معهم في المنطقة لإيران الجديدة!
ندرك حساسية المجتمع الأمريكي للحروب والتي جاء الرئيس أوباما ليقلب معادلتها إلى التفاوض مع محور الشر الإيراني ونحن في المنطقة أكثر من حذّر منها وتحاشى الدخول في أتونها لكننا أيضا الأقدر على استشراف الخير والشر لمنطقة نعيش فيها ونكتوي بمآسي السياسات الخاطئة التي حولتها لمستنقع للإرهاب وجماعات العمل المسلح الخارجة من كل قوانين المجتمع الدولي، فهل يقدم لنا أوباما مفهوم الخير الجديد الذي توصل إليه مع فريقه التفاوضي الذي تنتظره المنطقة من حكومة الملالي في إيران؟
مقابلة الرئيس أوباما مع الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في صحيفة نيورك تايمز كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في الوعي الأوبامي الجديد الذي يسعى إلى تسويقه في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، ففي الوقت الذي تعبث فيه إيران باستقرار المنطقة من خلال حلفاء خارجين على الإجماع الوطني في دولهم يقول المسالم أوباما أن إيران لا تمثل أي تهديد لكم وأن مشاكل الدول (السنية) تأتي من داخلها!
خطاب الرئيس أوباما المذهبي حول المنطقة يقدم رؤية طائفية تعزز الانقسام والاضطراب وتشجع الخارجين على القانون والشرعية على الاستمرار في مخططاتهم في زعزعة المنطقة، وتفتح المجال على مصراعيه للفوضى العارمة التي أنتجتها السياسات الأمريكية الخاطئة في المنطقة ولكن بلبوس جديد هذه المرة، ولأنه يعلم أن الخليجيين يملكون تجاهه وتجاه الإيرانيين الكثير من الشك وعدم الثقة نتيجة التناقض بين الأقوال والأفعال دعا إلى اجتماع تطميني في كامب ديفيد لشرح أبعاد الاتفاق، وأنه لا يمس مصالح المنطقة والتحالف الأمريكي معها!
الصداقة الأمريكية الإيرانية مطلب خليجي وعربي نتطلع معه إلى دور أمريكي إيجابي يمنع التوغل الإيراني في المنطقة وإثارة الخلافات ودعم بؤر عدم الاستقرار، والعرب والخليجيون هم أكثر من يؤمن بهذا الدور ويدعمه لو أخذ وجها وسلوكا صادقا لا يخالف ما نراه على أرض الواقع، فمن حق إيران أن تلتزم تحت الطاولة بضمان أمن إسرائيل وأن تقدم وجها آخر غير الذي تجلجل به في عنترياتها وعنتريات وكلائها في المنطقة، لكن حق المنطقة أيضا أن تتوقف إيران فيها عن زعزعة الأمن والعبث بالسلم الوطني من خلال وكلاء تغدق عليهم المال والسلاح لتدمير التنمية في حين أن الشعب الإيراني نفسه والذي فرح بهذا الاتفاق يتطلع أن تنتهي العقوبات الاقتصادية على بلاده ليلمس نتائج ذلك في تنمية تعود بالخير عليه وليس بإطلاق المزيد من الإمكانات لتدمير التنمية في المنطقة ! ليت الرئيس أوباما يقدم للشعب الإيراني الطمأنينة في هذا الأمر بدل طمأنته لدول المنطقة والخليج التي تعرف آثار اليد الإيرانية في تدمير التنمية وهي مقيدة فكيف بها وهي طليقة بدعم أوباما الجديد!