د.ثريا العريض
في أجواء الحرب من الصعب أن تركز انتباهك بعيدا عن تفاصيل مستجداتها. و لكني من وراء أغبرة «عاصفة الحزم» أظل أفكر في مستقبل الجوار الخليجي عربيا وإقليميا.
في كل مشروع أو دراسة تخطيطية هناك أكثر من إطار لابد من تحديده. وفي تكوين أي ثقافة مجتمعية وحضارة تتفاعل عدة أطر تاريخية وجغرافية واقتصادية واجتماعية وسياسية. وموقع كل أمة من الإنجاز الحضاري هو خلاصة تفاعل الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والمعرفة بمستجدات العلوم الطبيعية، في بوتقة التعامل البشري والقيم والمثاليات الدينية. وفي كل مشروع لخطة مستقبلية أو لتغيير في الأوضاع القائمة لمجموع بشري لابد من النظر في إطار زمني شامل. نستعرض وندرس أوضاع الماضي, ونحلل أوضاع الحاضر ونقرر ما نريده من مواصفات المستقبل في ضوء ما يمكن الاستفادة منه من معطيات الحاضر, وما يجب تغييره.
أحداث الماضي في منطقة الخليج حافلة ويمكن أن نعود بتاريخه إلى فترة خمسين عاما منذ تحررنا من سلطة الانتداب والسيادة البريطانية وتكونت الدول المحلية السيادية، أو خمسمائة عام لتاريخ من سيطرة القوى الأوروبية تحمي مصالحها وطرق تجارتها البحرية، أو خمسة آلاف عام لنتأمل في حضارة دلمون وامتدادها بين ما بين النهرين وموانئ الهند. المنطقي الآن أن نركز زمنيا على فترة الحاضر بين الطموحات والإنجازات والتحديات التي تواجهنا وتحدد في ما بينها العلاقات البينية, والمستقبل الذي نتطلع إليه كمجموع بشري متجانس الجذور والطموحات والاحتياجات. الإطار الجغرافي والناتج السياسي لا يعني فقط دول مجلس التعاون بل تتعدى تأثراته بما يجري اقليميا في دول الجوار القريب والأبعد والقوى العالمية وتفاعلاتها. وأن الإطار الاقتصادي يتغير بسرعة متفاعلاً مع العلاقات الثنائية والتحالفات بالإضافة إلى ثورة المعلومات والقدرات العلمية ومستجدات تقنيات التواصل مادياً ومعنوياً.
فكرة التكامل بين دول سيادية بالدخول في تحالفات ليست جديدة في تجربة المجتمعات البشرية. وفي البدء كانت في الغالب تحالفات عسكرية للدفاع المشترك, ولتأمين الحصول على موارد اقتصادية من مواقع أخرى بانتزاع سلط التحكم فيها من الآخرين.
من هنا جاءت منظمة حلف الناتو بعد انتهاء الحرب العالمية بهزيمة دول «المحور « عسكريا أمام قوات « التحالف». وهي الهزيمة التي غيرت مسيرة العالم وما زالت نتائجها تتضح وتتغير بتغير التحالفات والمصالح المشتركة والتنافسات على السيطرة الاقتصادية والعسكرية. ومن هنا جاء الاتحاد الأوروبي ومنظمة الآسيان والمنظمات الإفريقية والأمريكية والأمريكية الجنوبية.
في الجوار الأقرب لم تحقق منظمة الدول العربية ما يحسب إنجازا لها على الجبهة الاقتصادية أو العسكرية، ولكنها أثبتت حسن النوايا والإيمان بالأخوة العربية, ووجود مجموع عربي في الساحة الكونية..
أما التحالف الآخر الذي جاءت به المصالح المتشابهة محليا فهو تأسيس منظمة الأوابك للدول العربية المنتجة للنفط, وهي كما نعلم تعمل داخل إطار أوسع عالميا وهو منظمة الأوبك للدول المصدرة للنفط.
بعد نيل دول الخليج استقلالها, كانت الدول الأصغر مساحة والأحدث وصولا إلى تحقيق السيادة الذاتية على مواردها, هي الأسرع إلى الوعي بأهمية ومصيرية الاتحاد لحماية مصالحها. مجلس التعاون تكون لاحقا وما زال يحاول استكمال فاعليته بين المصالح المشتركة لأعضائه, والتنافس بين بعضها، والتخوف من فقدان حرية اتخاذ القرار إن جاء مخالفاً لرأي الأغلبية. وعند هذه النقطة تتقاطع مصالح الدول الإقليمية في الإطارين العربي والخليجي. اليوم ما زالت أسعار النفط في هبوط وتقلقل ونداءات تأجيج الطائفية وتأليب الفئات في تصاعد. كل هذا يهدد الاستقرار. والتفاهم العقلاني مطلوب لكي لا يتحول توجه الأنانية إلى صراعات يخسر بها الجميع.