نجيب الخنيزي
الأصل اللغوي / الفلسفي لمصطلح المقولة، تعود في جذرها إلى اليونان، وتعني العلاقة التي تعكس أكثر خواص وجوانب وعلاقات ظواهر الواقع والمعرفة عمومية وجوهرية، وكان الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو قد حددها في عشر مقولات هي: الجوهر، الكيف، الكم، الإضافة، المكان، الزمان، الوضع، الملكية، الانفعال، الفعل, واعتبر المقولات هي الأحوال الرئيسية للوجود، غير أنه في سياق التطور التاريخي، والمرحلة الدقيقة والحرجة التي يمر فيها العالم، على جميع الصعد والمستويات، في مراكزه المتقدمة وأطرافه المتخلفة على حد سواء، وهذا يشمل بطبيعة الحال المنطقة العربية والإسلامية، تأخذ العديد من المقولات والأطروحات مواقف ملتبسة تتجاوز الجذر المعرفي للمصطلح.
يستحضرني هنا بعض المقولات المنسوبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والذي يعد بحق أحد كبار الشخصيات المؤثرة في القرن العشرين، ليس لدوره التاريخي في بناء الصين المعاصرة فقط، بل لأن أطروحاته وثورته الثقافية التي أطلقها، أحدثت تأثيرا ضخما لدى قوى سياسية وقطاعات شبابية واسعة في العالم في مرحلة المد اليساري في فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، كما نجد انعكاسات تلك المقولات ولو بشكل مغاير في سياسات دول كبرى وصغرى متباينة من حيث توجهاتها السياسية والأيدلوجية، وكذلك لدى قوى يمينية ومحافظة على غرار اطروحات اليمين والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة والغرب، ناهيك عن شعارات وأطروحات تشكيلات الإسلام السياسي. نذكر من تلك المقولات المنسوبة لماو «العالم يسوده الاضطراب وهذا شيء حسن وليس بالشيء السيء» و «الأمبريالية نمر من ورق» و»ليس من المهم لون القط مادام يقوم بدوره في اصطياد الفئران» وقد كان تطلع ما وتسي تونغ بأن الاضطراب سيمهد الطريق لانفجار الثورات ضد الأمبريالية والنظم الحاكمة وبأنه من المهم التركيز على التناقض الرئيس، وتوظيف التناقضات الثانوية والحلفاء المؤقتين لخدمة الهدف المركزي للمرحلة كما كان يستخف بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في المعسكر الغربي، وفي الواقع فإن الصين الجديدة تجاوزت بشكل جذري تلك المقولات والأطروحات ولم يتبق من تلك المرحلة سوى بعض المظاهر الشكلية وفي المقابل وجدنا الرئيس الأمريكي السابق ريغان المعروف بتوجهاته المحافظة يتحدث عن «إمبراطورية الشر» ويقصد بذلك الاتحاد السوفيتي، الذي كان يقود المعسكر الشرقي السابق إبان فترة الحرب الباردة، كما نقف عند فحوى أطروحة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس التي عبرت بوضوح عن التوجه السياسي والأيدلوجي للمحافظين الجدد في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأبن حين اعلنت تبني الولايات لإستراتيجية «الفوضى الخلاقة» من اجل إعادة «صياغة شرق أوسط جديد» ونشر «القيم الديمقراطية» في المنطقة، في حين طرح بوش مقولات «محور الشر» و «من ليس معنا فهو ضدنا» و «لماذا يكرهوننا».
وفي المنطقة العربية/ الإسلامية راجت أطروحات ومقولات مثل «الشيطان الأكبر» التي طرحها الخميني، والأمر ذاته ينطبق على أطروحات ومقولات الإسلام السياسي و «الإسلام هو الحل» و»ولاية الفقيه» و»حرب الفسطاطين».
في الواقع غالبية تلك المقولات المتداولة (بعيدا عن جذرها الفلسفي) مفارقة للواقع الموضوعي، حيث تستبطن موقفا ايدلوجيا ذاتيا فاقعا، يتم اسقاطه وتوظيفه بشكل تعسفي ونفعي خدمة لمصالح واستهدافات محددة وبغض النظر عن النتائج المدمرة الناجمة عن تلك الأطروحات والممارسات الناجمة عنها.