إبراهيم عبدالله العمار
سأقولها صريحة: العلم ظلام! والجهل نور!
لا، ليس هذا خطأً، بل كلامي صحيح: العلم ظلام والجهل نور!
آنَ أوان التوضيح: العلم الدنيوي ظلام أحياناً. هكذا صارت أصحّ.
كثيراً ما يرى الناس العلم التقني إيجابياً، وربما نظن أنه كلما زاد العلم التقني تحسّنت أحوالنا، لكن أي نظرة لواقعنا كفيلة ببرهنة العكس. تحديداً، انظر لما يحصل لنفسياتنا من ضرر بسبب الكم الهائل من المعلومات والذي يحاصرنا كل يوم بل كل دقيقة: أخبار مزعجة، مقلقة، مخيفة، محزنة. دعايات منهمرة لا تتوقف، هدفها التهام أكبر قدر ممكن من مالك. معلومات عشوائية مشتِّتة كثيرة. تفاهات القيل والقال التي لا تقدم ولا تؤخر.
صار صعباً تَجنُّب هذا الطوفان من المعلومات، ويزداد صعوبة لأن مصادر الطوفان تنتشر وترخص، ففي السابق كان عليك أن تشاهد التلفاز أو تقرأ جريدة أو مجلة، أما اليوم فالطوفان ينفجر من أي فرصة: الجوال، الحاسب، التلفاز، اللوح الرقمي، و هذه الأشياء صارت شديدة الانتشار، بل الكثير من الناس لا يتخيل أن يعيش بدونها. لا شك أن لها فوائد كثيرة، لكن أحد جوانبها السلبية هو الموضوع الذي نتكلم عنه الآن: طوفان المعلومات.
إننا نعيش ثورةً معلوماتية لم تمر قط على البشر، ومن كتاب «الوَفرة» للكاتب بيتر دايمانديس خذوا بعض النماذج:
- كمية المعلومات التي تأتي في أسبوع واحد في صحيفة نيويورك تايمز أكثر من المعلومات التي مرَّت على الشخص الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي...في حياته كلها.
- هذه الكمية تنمو بشكلٍ أُسّي بسبب تسارع التقنية، أي أنه يتضاعف على نحو الأس في الرياضيات، ولتوضيح الفكرة تخيل المثال هذا: لو خرجتَ من باب بيتك وأخذت 30 خطوة (كل خطوة متر) فإنك ستكون على بعد 30 متراً من بابك. هذا هو النمو الخطي. أما لو كانت الزيادة أسية فإنك ستكون على بعد مليار متر. هذه مسافة تكفي لأن تدور على الكوكب 26 مرة.
- لم يكن هذا النمو في كمية المعلومات موجوداً في العصور السابقة، بل كانت الحياة اليومية رتيبة، والتغيير معدوم على مدى قرون.
- من بداية التاريخ إلى عام 2003م صنع البشر 5 اكسابايت من المعلومات، والاكسابايت تعادل مليون غيغابايت، أو 1 وعلى يمينه 18 صفراً. في عام 2010م صنع البشر هذا الجبل العظيم من المعلومات كل يومين. اليوم في عام 2015م نصنع هذا المقدار كل 10 دقائق!
لا عجب أننا مُنهكون من كثرة المعلومات! حصار من أمامنا وخلفنا ويميننا وشمالنا وفوقنا وأسفلنا. كثرة هذه المعلومات لها آثار سلبية، فأولاً لا يَخفى أن كل إفراط سيئ، حتى أنفع الأشياء تضر إذا زادت عن حدها.
ثانياً: كثرة المعلومات مشتتة للذهن والعقل، وتعيق المرء عن التركيز على أشياء أهم مثل العبادة والعمل والأهل والهوايات النافعة.
ثالثاً: التأثير على النفسية سلبي. مثلاً عندما ترى أخبار القتل والدمار كل ساعة فأغلب التأثير واحد من اثنين: إما أن تغتمّ وتتألم لحال المسلمين وجرائم أعداء الأمة ضدنا في كل قارة، وإما أن تتصلب مشاعرك وتعتاد.
رابعاً: إذا كَثُر أي شيء قلّت قيمته. ينطبق هذا على كل شيء، فحتى الذهب والياقوت ستصبح أرخص من التراب لو كانت متوفرة في كل مكان بكميات كبيرة، وهذا ينطبق على الأشياء غير المحسوسة كالمعلومات، فبدلاً من أن تكون مرغوبة وذات قيمة صارت الآن شيئاً لا يؤبَه به، لأنها في مكان. هذا خطر، فالعِلم النافع يجب أن نسعى له ونعظمه حتى لو كان في متناول اليد.
أتمنى أن نعي سوء هذا الحال لو استمر.. سوء حال التعرض المفرط للمعلومات، وسنرى فيما بعد طرقاً لمقاومة هذا السيل العرمرم.