د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
في ظل الأحداث الجيوسياسية الدائرة في المنطقة يفترض أن ترتفع أسعار النفط مثلما ارتفعت أسعار النفط عام 2008 نتيجة الأزمة المالية التي ضربت العالم، لكن نتيجة تراجع معدلات نمو الاقتصاد الصيني (ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة) أصبح هناك تخوف حول مستقبل الطاقة العالمية، وخصوصاً في ظل تحول الولايات المتحدة إلى منتج للنفط والغاز الصخري.
وتشير التقديرات إلى أن واردات الصين من النفط ستبلغ 500 مليار دولار عام 2020، بينما الإنفاق في الولايات المتحدة لا يتجاوز 160 مليار دولار، ولكن في الوقت الحاضر تمر الصين بتحولات في نماذج التنمية من اقتصاد قائم على الصادرات إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك المحلي وزيادة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتجه الصين نحو تقليص الصناعات التي تعتمد على الاستخدام الكثيف للطاقة، وهذا التحول ستكون له آثار مصحوبة بألم.
بعدما فقدت الأسعار 25 في المائة من قيمتها خلال شهر أكتوبر مقارنة بشهر يونيو 2014، وأصبحت تتداول الأسعار عند مستوى 80 دولاراً للبرميل، تعاني دول أوبك اليوم من إشكالية سعر تعادل الميزانية، أي سعر برميل النفط الذي تحتاج إليه كل دولة حتى لا تشهد عجزاً مالياً، وتضطر إلى الاستدانة أو استخدام موارد أخرى كالاحتياطيات المالية لتغطية العجز بسبب أن أغلب دول الأوبك تعتمد على النفط بوصفه مصدراً رئيسياً في الدخل.
إيران والعراق وفنزويلا دول تريد تخفيض كميات الإنتاج التي تنتجها أوبك البالغة 30 مليون برميل يومياً، لكن السعودية تستخدم ورقة النفط كسلاح ضد إيران، وسترفض تخفيض كميات النفط التي تصدرها حتى تنخفض مداخيل إيران.
السعودية تمتلك فوائض مالية بنهاية أغسطس 2014 بلغت 2.796 تريليون ريال، التي ضاعفتها خلال الثلاث عشرة سنة الماضية بثلاث مرات، وحصلت السعودية على تصنيف AA بعد أن كان AA- رغم أن النفط أيضاً يشكل 90 في المائة من صادرات السعودية.
وإيران تحتاج إلى سعر نفط عند 130 إلى 140 دولاراً للبرميل حتى تتمكن من معادلة ميزانيتها بسبب ارتفاع الإنفاق وقلة الكمية التي تبيعها نتيجة الحظر المفروض على نفطها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
انخفاض الأسعار يشكل قلقاً لإيران، لكنه لن يشكل قلقاً لدى دول الخليج نظراً لما تتمتع به من احتياطيات مالية عالية، ولن تقبل السعودية في اجتماع أوبك تخفيض إنتاجها لرفع أسعار النفط ردًّا على تصريح صادق الحسيني الناطق باسم النظام الإيراني على شاشة فضائية الميادين في 24 سبتمبر، عندما قال إن باب المندب اليوم مع مضيق هرمز يضيقان الخناق على البحر الأحمر، وبتنا سلاطين البحر المتوسط الجدد، فأصبحنا سلاطين الخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط، نحن محور مقاومة يمتد من طهران - دمشق - بغداد - الضاحية - صنعاء، وسنصنع خريطة جديدة.
لكن نجحت السعودية في إقناع السودان بغلق المكاتب الثقافية الإيرانية في السودان، ونجحت السعودية في التوسط في زيارة البشير لمصر، أي سحبت هذا المحور من إيران. وفي اليمن يبدو أن السعودية ورطت إيران في اليمن، ويحاصر إيران انخفاض أسعار النفط والإرهاب.
ليس فقط تحاصر السعودية إيران باستخدام ورقة النفط بل تركيا هي الأخرى التي بدأت ترد على طهران التي أتهمتها بالسعي نحو فكرة العثمانية الجديدة على خلفية موقف أنقرة من الملف السوري، بعدما اعتبرت أنقرة أن إيران تلعب بالساحة التركية وتجاوزت الخطوط الحمراء كافة، واعتبرته تهديداً لأمنها القومي.
واتهمت تركيا إيران بأنها المسؤول الحقيقي عن ولادة الإرهاب وتفاقمه. وبعد سعود الفيصل الذي طلب من إيران سحب قواتها المحتلة من العراق ومن سوريا واليمن طالب رئيس وزراء تركيا داود أغلو بسحب قواتها من سوريا، بل حذر طهران من سعي إيران إلى تشكيل إطار شيعي، وهو أمر سيزيد التوتر السني والشيعي والصراع الطائفي، وأن هذا التعاطي المذهبي هو السبب في بروز التيارات المتطرفة بالمنطقة.
هذا التوتر أتى بعد إصرار أردوغان على ضرورة إسقاط نظام بشار الأسد الذي حاول تصدير ثورة مضادة إلى داخل تركيا بالتعاون مع الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عن طريق الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردي الذي تم تنشيطه منذ الأزمة السورية، وهو السبب الذي جعل أردوغان يرفض تسليح أكراد كوباني، والآن وافق بدعمهم من قبل البشمركة القادمة من كردستان العراق.
أصبحت السعودية وتركيا تحاصران إيران. صحيح أن الولايات المتحدة تلعب على وتر هذا التناقض لكن في النهاية تسير الولايات المتحدة خلف مصالحها.