في البداية أود الإشارة إلى شيء من الفذلكة التاريخية؛ إذ لو استنطقنا التاريخ القديم والحديث عن حال المجتمعات في ظل الأزمات المختلفة، لوقفنا على ملامح رئيسة في الموضوع؛ إذ الناس والمجتمعات في عهود الأزمات تختلف نظرتهم الاقتصادية ومنهجهم الإنفاقي، وتصوراتهم الادخارية والاستثمارية، وأسلوبهم في الحياة، وهذا أمر طبيعي.
إن مفهوم الأزمة -في اعتقادي- واسع يشمل الجوع والمجاعة، الجدب والقحط، الغزو والحرب، الكساد والركود، الحصار والمقاطعة، وما له صلة بذلك.
ثم إن للناس في حال الأزمات مواقف عديدة قبل الأزمة وأثناءها وبعدها. قبل الأزمة، فإن الترقب والانتظار والإشاعات والأخبار هواجس غائرة الأثر في دواخل النفس، وأعماق الذات تولد مشاعر متناقضة من الطمأنينة، والخوف والهدوء والتوتر، والسكينة والقلق.
وأثناء الأزمة، فإن المجتمع يعاني غالباً من ارتفاع في الأسعار، وانخفاض في المواد الغذائية، واضطراب في الأسواق وانكماش في المشاريع، وزيادة في الطلب على المستلزمات المعيشية، وتدهور في القوة الشرائية للنقود، وحرص على التوفير والادخار، وضَعف الإنتاجية، وتقنين الاستهلاك، وركود في الأراضي والعقارات، وتوقف الاستثمارات؛ هذه بعض آثار الأزمات، وبعض إفرازاتها في الجانب الاقتصادي.
وفي الجانب الاجتماعي والنفسي؛ فإن هناك آثارًا مختلفة تتمثل في شيوع الشائعات، وانتشار القصص الوهمية، والخزعبلات، والانطوائية والسلبية، والانكفاء على الذات، والخوف والقلق، والضغط النفسي.
ثم إن كثرة حالات السرقة وتخريب الممتلكات، والاستغلال والفساد - بعضٌ من آثار الأزمات على المستوى الأمني.
ولذا فبعد الأزمة فإن الجهود تتركز على استقرار الأسعار، وعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها مع سياسات تقشفية نوعًا ما.
إنه ما من أزمة من أي نوع، إلا وتخلَّف العديد من الآثار والسلبيات والإفرازات، ليس على مستوى الأجيال الحالية فحسب، بل على مستوى الأجيال القادمة. ويبقى دور المصلحين والمربين في نشر الوعي، وحسن التعامل مع الأزمات، والتأقلُم مع مستجداتها، دون هرولة غير مجدية أو نهم غير مبرر أو جشع فاحش.
فلقد عانت المجتمعات من أزمات عديدة، ونكبات كثيرة، ولا شك أن العاقبة للمتقين، فالنصر قادم والفرج قريب، ولنعلم حقيقة قرآنية خالدة وردتْ في قوله -سبحانه-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} «الرعد: 11».