عبد الاله بن سعود السعدون
حاولت إيران إسكات صوت المعارضة العراقية، حين تفجّرت ثورة الحراك الشعبي السلمية في الأنبار قبل عامين، ومطالبهم كانت محددة ومقبولة وبتأييد كافة القوى السياسية لها.. وشعر الإيرانيون بخطرها على مشروعهم التوسعي بربط طهران
ببغداد، مروراً بدمشق حتى جنوب لبنان، وكسب واجهة واسعة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.. وشعر ملالي طهران دعاة الإمبراطورية الفارسية بأن سكان المنطقة الغربية من العراق من أهل السنّة يُشكّلون خطراً على مشروعهم التمددي هذا، وهي منطقة صحراوية وعرة وواسعة تُشكّل أكثر من ثلث العراق، وأصبح أهلها الجدار الصلد والعقبة الصعب تخطيها دون هدم وتخريب، لكونها المعارضة وبقوة لهذا المشروع الشيطاني الفارسي.
تبرع المالكي والذي أوغل في قتل وتهجير أهل السنّة في عموم المحافظات العراقية للقيام بهذا الواجب الخياني، فصم آذانه عن مطالب الحراك الشعبي المعقولة والتي تندرج في خانة الحقوق المشروعة لكل مواطن كفلها الشرع، وما يُسمى بالدستور العراقي إلا أن الاستجابة السلبية الرافضة لرئيس الوزراء العراقي السابق ووصفه للحراك الشعبي ومطالبه السلمية (بالفقاعة)، ووجه لهم نداءه المستنكر (انتهوا قبل أن تنهوا)، ونفذ المالكي المخطط الإيراني بكل عمالة وخيانة بتحريكه للقوات العسكرية العراقية نحو الحدود السورية للتظاهر بمواجهة داعش، إلا أن القوات المالكية انحرفت عن طريقها واتجهت لتحقيق غرضها الأساسي نحو قلب محافظة الأنبار، وبهجوم وحشي ليلي دمرت هذه القوات الطائفية خيام الحراك الشعبي، واعتقلت النائب الوطني الدكتور أحمد العلواني وقتل شقيقه الشيخ سليمان، ومع هذا الهجوم التمثيلي تم منح فصائل داعش الإرهابية فرصة دخول مدن الرمادي والفلوجة، وأُنشئت لها معسكرات تدريبية في غرب العراق، وبعلم المالكي وإيران.
وشكَّلت جريمة خراب الموصل الفصل الأخير لعمالة وخيانة المالكي للشعب العراقي بتنفيذ أوامر قاسم سليماني قائد ما يُسمى فيلق القدس بإصدار الأوامر لقادة الفرق الأربع العسكرية المحيطة بمدينة الموصل بالانسحاب عن مواقعهم وتركها مع الأسلحة والمعدات العسكرية لتنظيم داعش والذي كان تعداد مرتزقته لا يتجاوز الخمسمائة مقاتل وعدد الفرق العسكرية العراقية ستون ألف جندي، وطلب منها عدم مقاومتها وترك الأسلحة والمدرعات في داخل معسكراتها، وبعمله الخياني هذا ألحق المالكي القائد العام للقوات المسلحة العراقية العار وسخط الشعب العراقي الجريح لفتح بوابات الموصل بيده لعصابات داعش وإنهاء أربع فرق عسكرية من شرف الخدمة الوطنية، وتدميره لمعنويات وعقيدة الجيش العراقي الذي هرب قادته وتركوا بدلهم العسكرية، مزيّنة بالرتب العليا على تراب الطريق الموصل لأقليم كردستان ملجأهم الأول.
وأصبح بيد المالكي حجرٌ واحدٌ يحقق من رميه على أهل السنّة نتائج عديدة، وهو المسؤول الأول عن الفتنة الطائفية التي اكتسحت بشرورها كل الوطن العراقي، وفرصة ثمينة ونادرة يجب أن يستغلها للقضاء على مقاومة القوى السنية الوطنية المعارضة للمد الإيراني في غرب العراق، ولا بد من تصفيتهم والقضاء على مصادر قوتهم، وأطلق العنان لعصابات داعش لاحتلال كل المحافظات ذات الأكثرية السنيّة وحصرهم بها وحماية المحافظات ذات الأكثرية الشيعية في الوسط والجنوب العراقي، ودعوته للحشد الشعبي الشيعي والمكون من ميليشيات طائفية مثل حزب الله وعصائب أهل الحق وفيلق بدر بمشاركة كتائب مسلحة من الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال سليماني، والهدف الأساس لهذه القوى الطائفية تصفية المعارضة السنيّة وتأمين الحدود الإيرانية الشرقية، ولذا اكتسحت هذه القوى الطائفية كل المدن السنية في محافظة ديالى الحدودية مع إيران وقتل وتهجير وحرق مبانيها وتشريد سكانها من أهل السنّة وتفريغها من أهلها الأصليين.. واستمر نفس السيناريو الطائفي المنتقم بتخريب مدينة تكريت وهدم بيوتها وتهجير سكانها وإحلال المليشيات داخلها لبسط النفوذ الإيراني الفارسي والطائفي لإدارتها بالقوة وتحويل نصف العراق إلى ساحة حرب انتقامية وتصفية مذهبية وعرقية، يشرف على تحريك دفتها الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني.
والآن تعيش محافظة الأنبار مأساة إنسانية وتركهها عزلى تلاقي مصيرها بمواجهة عصابات داعش التي تهاجمها من كل الجهات دون إمداد عسكري من الحكومة الاتحادية في بغداد، وقد دك القصف الداعشي كل المناطق السكانية بوحشية ودون تمييز لضحاياه وسقط العديد من النساء والشيوخ والأطفال ومعظم أبناء العشائر الأنبارية، وهم عزل من السلاح المقاوم لقوى داعش والمسلحة بأحدث الأسلحة والتي تتحرك بصورة متوازية لإعطاء الفرصة لدخول المليشيات الطائفية لهذه المدن العربية الاتجاه والمعارضة للنفوذ الإيراني الصفوي، وتعالت النداءات الشعبية من أهل الأنبار لنجدتهم دون أي صدى إيجابي من الحكومة المركزية لفرض الضغط عليهم، ولترك معارضتهم ورفضهم للحشد الشعبي الطائفي من المشاركة في الحرب القائمة في الأنبار، مما يخشى وقوع مجزرة إنسانية ومجاعة شاملة لأهل السنّة في هذه المحافظة العربية الصامدة.. ويتحقق الهدف الرئيس لإيران وعملائها بتصفية كل المعارضين لمشروعها التوسعي، وابتلاع العراق بأكمله وفسح الطريق لمشروعهم الطائفي ما يُسمى بالهلال الشيعي الصفوي، وأن تكون بغداد الرشيد - لا سمح الله - العاصمة الموعودة لإمبراطوريتهم الفارسية الصفوية الخيالية.
ونحن دول الجوار العربي.. ما الذي نعده من مشروع قومي على غرار عاصفة الحزم لإنقاذ الشعب العراقي والذي بحت حناجر أبنائه من الاستغاثة بطلب نجدتهم من أشقائهم العرب وإنقاذهم من كماشة الأطماع الإيرانية والتي نخرت حتى عظمه.