د. خيرية السقاف
في ضوء مكونات ومخرجات المجتمع البشري في الوقت الراهن أيمكن أن يكون كل «مجرم» مريضاً نفسياً».. أو هو في الحقيقة تائه بين بين..؟!!
فالفرد المعاصر هو جُرمٌ متحركٌ يقع في مجرى مؤثرات ينغمس فيها مذ طُلعته قارئاً، ومشاهداً، ومتفاعلاً، ومتجهاً لهذا المنتج المنشر، والمهيمن، والمؤثّر فيما يشاهد، ويسمع، ويرى، ويتلقى، ويقتني، ويتفاعل في حلّه، وترحاله، عن طرق المواجهة، والاحتكاك أو المشاهدة، والتفكر، يتلقى عن مواقف، وأفكار، ومشاهد، وشخوص، وكتب، ومجلات، وأفلام، ومسرحيات، وقصص، وروايات، وممثللين، وممثلات ما لا يستطيع التخلص منه، والانسحاب عنه دون قوة داخلية مكونة بأسسها فيه..،..
هذا «المجرم» يخفت فيه صوت الموجه، والمربي، والناصح، والحادي..،
يضعف فيه دور المؤسس فيه قيم العقيدة السليمة، من عليه أن يخضعه في نشأته للتدريب على تكوين الروادع المكينة لكل ما يجعله في اضطراب بين أيهما من المعطيات الأصح، والأصوب، لاسيما أن العبادة تحتاج لصبر بل اصطبار، وأن الصلاة «كبيرة إلا على الخاشعين»، وأن ناشئة الليل للذكر، والتعبد، والتقرّب للتطهر، والتنزه أشد وطأة مع أنها «أقوم قيلا»، كما ذكر الله خالق النفس، العالم بضعفها تعالى..
بيئتان تتقابلان لا تلتقيان إلا لعاقل، واع، قادرٍ على فصل الخيط الأبيض عن الخيط الأسود، فصلاً بيّن جلاء العقيدة ومنتجها، وبين خليط الواقع، وآثاره، وحصاده..
هذا هو سر المجرمين، ليس مرضاً نفسياً دافعهم للإرهاب وجرائمه، وإنما بعدهم عن جادة الخشية، والتقوى المانعة للخطيئة الكبيرة، من قتل، ونهب، وإفساد، وإحراق، وغيلة، وتدمير، وترصد..،
فالمجرم قاتل أيضاً لنفسه، ناهب لطمأنينة غيره، حارق لقيم أمته، ومجتمعه..
هو ليس مريضاً نفسياً، وإنما هو فارغ من المكنون الفطري السليم، لذا يكون عرضة لمغبات الفراغ..!
إن الصواب أن تعود أمة الإسلام إلى نبع الإسلام السليم، القويم، الناصع، الساطع، المعتدل، المناسب للحياة، والبناء، والنعم، في تنشئة سليمة، وسلوك قويم، وقدرة على أخذ المناسب، ولفظ غيره عند التفكير في مسار الإنسان مع نفسه فيما يأخذ، وما لا يفعل دون الوقوع في مغبات مؤثّرات منتجات الوقت، وهيمنة الباذخ اللامع فيها شخوصاً، وسلوكاً، مظهراً ومخبراً، وفكراً.. وتفاعلاً، منذ نعومة العجينة..،
نجاة ًمن التردي في محصلات الاضطراب، وتلوث الفطرة...!!